شكل استبعاد إيران من حضور محادثات السلام بشأن سوريا في سويسرا غياب قوة إقليمية هامة بعد رفض معظم الدول حضورها، لكن غياب إيران يجعل أي محاولة لإنهاء الحرب الدائرة في سوريا بلا طائل. ويعد دعم إيران أمرا بالغ الأهمية لسيطرة الرئيس بشار الأسد على السلطة، كما أن سوريا دولة هامة للغاية بالنسبة لتطلعات الإيرانيين بأن يكونوا قوة إقليمية. ومع انطلاق المؤتمر الدولي للسلام، أمس، بمشاركة أكثر من أربعين دولة، خيم غياب إيران على الاجتماع بعد الهزيمة الدبلوماسية التي شهدت سحب الأممالمتحدة دعوتها لإيران للحضور في اللحظة الأخيرة بعد غضب الولاياتالمتحدة والمعارضة السورية. وعزز غياب أقوى حليف إقليمي لدمشق من موقف المعارضة التي حضر جميع حلفائها، وهم المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا. وسلطت مسألة مشاركة إيران الضوء على كيفية انقسام القوى العالمية واصطفافها إما خلف الأسد أو المعارضة التي تسعى للإطاحة به. ومثل أي لاعبين دوليين، قد تفسد إيران أي قرار يعارض أو يشكل قوة ضغط علي سوريا لتقديم تنازلات. وقال ديفيد كورترايت، مدير الدراسات السياسية بمعهد "كروك" لدراسات السلام الدولية، إن "قرار منع إيران من حضور المحادثات خطأ دبلوماسي كبير". وأضاف: "باعتبارها داعما رئيسيا للنظام السوري، تمتلك إيران نفوذا هائلا على دمشق". واتخذ الصراع السوري، المندلع منذ ثلاث سنوات، منحى دمويا ووحشيا ويلقى باللائمة في ذلك بشكل كبير على حكومة الأسد. ولم يحقق الطرفان تفوقا عسكرية على الآخر، لكن قوات الأسد اكتسبت بعض الزخم وظلت الحكومة والجيش متماسكين، في حين دخلت قوات المعارضة في اقتتال داخلي بين جماعات إسلامية متطرفة وأخرى أكثر اعتدالا. ومنحت الديناميكية العسكرية على الأرض الأسد سببا كافيا للقدرة على إنشاء حكومة انتقالية لا يكون جزءا منها، وهو الأمر التي تقول الولاياتالمتحدة والمعارضة إنه هدف مؤتمر السلام. لكن المحادثات تشهد حربا بالوكالة، عن طريق تأثير القوى الدولية على كلا الجانبين من أجل التوافق والوصول إلى حل. وأغدقت إيران الشيعية الأموال للمحافظة على صمود حكومة الأسد اقتصاديا وزودتها بالسلاح وأيدت تدخل مقاتلين من حزب الله وميليشيات شيعية من العراق لمساندة الجيش السوري. وتصر طهران على ضمان بقاء حليفتها متماسكة وهو ما يعطيها تأثيرا مباشرا في العالم العربي. وفي الوقت نفسه وفرت روسيا، وهي حليف قديم لسوريا، غطاء دبلوماسيا هاما لها بمنع العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي ضدها. وعلى الجانب الآخر، تقف دول عربية سنية في الخليج العربي، خاصة السعودية وقطر إلى جانب الولاياتالمتحدة، في صف المعارضة من أجل الحد من تأثير إيران. ونظرا لمصلحة طهران القوية في مسألة بقاء الأسد، لم يتضح ما إذا كانت مشاركتها في المؤتمر ستساعد على إقناعه بقبول تشكيل حكومة انتقالية أم لا. لكن مؤيدي مشاركة إيران قالوا إنه كان يتعين حضورها في المراحل المبكرة من المحادثات على الأقل. فحتى إذا أدت المحادثات إلى نتائج ضئيلة، مثل الاتفاق على توفير ممرات إنسانية للمناطق التي يسيطر عليها الثوار المحاصرون، لا يمكن أن تقف إيران أمام ذلك بحجة أنها لم تشارك. من جانبه، قال السفير السوري بالأممالمتحدة بشار الجعفري إن الدول الأربعين المشاركة في المحادثات "يبدو أنه تم اختيارهم مسبقا". وأضاف "إنها دول تمثل حكومات معادية لدمشق". ووصف وزير الخارجية السوري وليد المعلم استبعاد إيران من الحضور "بالخطأ الكبير"، قائلا إنه من غير الممكن تجاهل دور إيران المهم لجلب الاستقرار إلى المنطقة. وبسؤاله عن هذا الأمر في مؤتمر صحفي عقب المحادثات، اعترف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بقدرة إيران على "صنع الفارق"، لكنه أكد على أنها لم تقبل الأساس الذي بنيت عليه المحادثات، وهو تشكيل حكومة انتقالية في سوريا. وتقول الولاياتالمتحدة والسعودية والمعارضة السورية إنه لا يمكن مشاركة الأسد في هذه الحكومة، وهو الأمر الذي ترفضه دمشق شكلا وموضوعا. وقال "كيري": "هناك الكثير من الطرق لفتح الأبواب المغلقة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وآمل في إراداتهم في المشاركة لإيجاد حل بناء للأزمة". وقال "كورترايت" إن طهران قد توافق على تشكيل حكومة بدون الأسد، إذا صب ذلك في مصلحتها. وأضاف: "هدف إيران في سوريا هو وجود نظام يرعى مصالحها ويحمي الطائفة العلوية الشيعية التي ينتمي لها الأسد. لكن هذا لا يعني أن الإيرانيين متشبثون بنظام الأسد الذي فقد مصداقيته". وقال: "بدعوة السعودية وتجاهل إيران، تقف الولاياتالمتحدة في صف طرف دون الآخر وهذا قد يفاقم الفجوة بين السنة والشيعة ويزعزع الأمن في المنطقة". لكن التوصل إلى مرحلة يمكن فيها تشكيل حكومة انتقالية بدون الأسد احتمال يبدو بعيدا للغاية. وقال أيهم كامل، وهو محلل في شؤون الشرق الاوسط بمؤسسة أوراسيا الاستشارية في لندن: "علينا أن نكون واقعيين للغاية، المؤتمر لن يؤدي إلى تسوية سياسية أو نهائية للصراع". وأضاف: "بعد الفشل في الإطاحة به بالقوة، نحن الآن في عالم مختلف، حيث لم تعد إزاحة الأسد أمرا واقعيا على المدى القريب". وأردف قائلا: "بدلا من ذلك، ينبغي أن يكون هدف المحادثات تحقيق إصلاحات ديمقراطية في سوريا تقلل من قبضة الأسد على السلطة، وهو ما يمهد الطريق لسوريا ما بعد الأسد. وسيكون دور إيرانوروسيا محوريا في ذلك". "إذا كنت في حاجة إلى اتفاق نهائي يضمن تنازلات حقيقية ويجد سبيلا لرحيل الأسد، الذي ليس في المستقبل القريب بالتأكيد، إن ذلك يتطلب دعما إيرانياوروسيا"، بحسب "كامل". من جانبه، قال وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت، الذي شغل منصبا بارزا في الاممالمتحدة خلال حرب البلقان، إن المفاوضات يجب أن تتضمن أي شخص أو جهة تلعب دورا هاما في الصراع. وأضاف: "أنت تصنع سلام بين عدوين، مؤتمرات صنع السلام لا تعقد بين صديقين. لذلك يجب أن يحضر كل الجهات التي لها أي نوع من التأثير أو الأهمية".