لكل زمن سماته والتي تميزه عن غيره من الأزمان، فمثلًا تجد الفترة ما بين الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، تتميز بظهور الطبقة المتوسطة، طبقة متعلمة تمتلك ما يكفيها كي تحيا حياة كريمة بعيدًا عن البذخ، تمتلك من العلم والثقافة ما يجعلها تُدرك أهمية التعليم، مما يجعلها حريصة كل الحرص على توفير أفضل تعليم لأبنائها، وعلى الجانب الآخر، تجد انعدام حرية الرأى والتضييق على الصحافة والإعلام، فلكل حقبة زمنية ما لها وما عليها.. ولكن ماذا عن زماننا؟. لا أعلم ما إذا كان زماننا هذا زمنًا جميلًا أو غير ذلك، ولكنني استطيع أن أبرز أهم صفة تتجسد في زماننا اليوم، وهي صفة الانحياز الأعمى، التعصب والتشدد لفريق على حساب الآخر، في مختلف المجالات، وهذا ما سأوضحه لكم في سطوري المقبلة. دعوني أضرب مثلًا صغيرًا يوضح ما اقصده، إنها كرة القدم والتي يعشقها الناس في مصر إلى حد الجنون.. منذ سنوات طويلة تجد دائمًا المنافسة محتدمة بين النادي الأهلي ونادي الزمالك، ولذلك تجد الشعب منقسم إلى قسمين أهلاوي وزمالكاوي، وقسم ثالث يتضائل حجمه بتقدم الزمن، وهو من يشجع اللعبة الحلوة. في الماضي كانت مباريات الأهلي والزمالك مشتعلة بالمنافسة، ولكنك لا تسمع أبدًا عن معارك أو إصابات بين المشجعين، إنهم يدركون تمامًا أنها لعبة، مجرد لعبة غرضها الأول والأخير التسلية، وليس افتعال المشاجرات والخلافات.. أما الآن تجد وللأسف الشديد، تعزيزات أمنية غير مسبوقة في كل مبارة، والسبب جهلنا وتعصبنا الأعمى.. منا من اعتبر ناديه المفضل كشرفه، الدفاع عنه يجب وأن يكون بالدم، تحولنا من مجرد مشجعين إلى مجانين، نسعى إلى إيذاء بعضنا البعض لمجرد الاختلاف، ولا نجد من يذكرنا أنه اختلاف على لعبة، مجرد لعبة. دعوني أخرج بكم من حيز مثالي السابق إلى مثال أكبر، وهي الحالة السياسية للبلاد، ثلاثون عامًا من الجهل السياسي كانت لها أثارًا مدمرة على عقلية وثقافة هذا الشعب، انقسمنا ومن اليوم الأول للثورة إلى فريقين، تتغير الشعارات وتتغير أهداف كل فريق ويبقى الانقسام واحدًا، إن لم تكن معي فأنت ضدي، ديكتاتورية الرأي أصبحت هي سيدة الموقف، لن أقبل ما يخالفني الرأي لأنه ببساطة إما كافرًا أو خائنًا وعميلًا، وهنا أقف عزيزي القارىء كي أبحث عن القسم الثالث، من يشجع اللعبة الحلوة، أو من يقف مع الحق مهما كانت الظروف والنتائج، لقد اختفوا عن الأنظار، فهم إما كافرون أو خائنون وعملاء لدول معادية، لمجرد أنهم أعلنوا وقوفهم إلى جانب الحق، حتى وإن كان مخالفًا لأيدولوجياتهم. نعم، أنت يا من تقرأ سطور مقالي الآن، قد تكون متعصبًا لرأيك ولا تعلم، وإن كنت لا تصدقني دعني أسألك سؤالًا واحدًا.. لماذا وأنت تقرأ السطور السابقة تحاول أن تصنفني؟ سؤال يدور بذهنك حول طبيعة انتمائي، هل كاتب هذا المقال ليبراليًا أم إخوانيًا أم من الفلول؟. عقلك يحاول تصنيفي كي يتخذ قرارًا بقبول أو رفض كلماتي، ليس من المهم مدى صحة كلامي من عدمه، ولكن ما يهمك هو انتماء صاحب هذا الكلام.. أصبحنا نختزل الحقيقة في صورة أشخاص.. عزيزي القارىء، تذكر دائمًا أن الحقيقة مجردة من أي انتماء، الحقيقة هي الشىء الوحيد الذي يجب وأن تنحاز إليه، ولكن هل أنت بالقوة الكافية التي تجعلك تتجرد من انتمائك كي تنتصر إلى الحقيقة؟.