يتحدث الإعلام باستغراب كبير عن غياب فئة الشباب عن لجان الاستفتاء، وللصدفة البحتة غير المفتعلة أني شاب من هؤلاء الشباب، ولم أذهب أيضًا للاستفتاء، ورغم المعارضة الضخمة من والدي واستفزازي لغضبه، بسبب عدم نزولي، سافرت إلى محافظة أخرى بأي حجة حتى أهرب من غضبه، فوجدته يقول أن هناك لجان للوافدين، فليس لك أي حجة. بسيطة.. لنفهم الموضوع يجب أن نسأل الشباب هنا لماذا هذا العزوف؟ ونسألهم هم أنفسهم وليس أن نأتي بكبار السن يحللون من وجهة نظرهم لماذا؟ ولأني شاب من هؤلاء، أستطيع أن أؤكد أن هناك حاجز نفسي رهيب بيني وبين هذا الاستفتاء، فأجد أنا الشاب ليس لي صوت سوى في نفق النعم، أي نوع من النعم للجيش تارة وللعنف المبالغ من قوات الشرطة تارة، ونعم للدستور وللسيسي في نفس الوقت، ولأي شيء يصدر في الوقت الراهن. ولكن لماذا وضعونا في هذه الخانة؟ "خانة النعم".. الموضوع ببساطة عندما بدأ الجيش يعطي أملٍا للشعب في إزاحة النظام السابق، وقد ظهر لنا طائفة خطيرة مسؤولة عن التطبيل والتشوية والإسفاف والإرهاب الفكري، وهي فئة من الإعلاميين الذين وضعو بعض شباب الثورة في رؤوسهم، حتي يكيلوا لهم الاتهامات بالعمالة والخيانة للخارج، ويستطيعوا تعميم الاتهام على كل الشباب، فيفقدون ثقة الناس بالشباب وثقة الشباب في زملائهم. ثانيًا: توجه عدد من الشباب إلى دعم إنسانية رمز وجدوه، اسمه البرادعي، وبالغوا في التقديرات أنه غاندي، المخلص جيفارا، والعالم الجليل والدبلوماسي الحكيم، وآخرون كانو يتوجهون لحمدين صباحي، لما يقدمه من اشتراكية وقوميه "عبدالناصر"، وآخرون يؤمنون بخالد علي، لأنه الشاب الوحيد تواجد في الساحة أخذًا شكل الثوري أقصى يسار الثورية. ولكن تم توجيه مدفع الاتهامات لكل هذه الرموز الشبابية، وأيضًا اتضحت بعض الصور الأخرى لهؤلاء الرموز، فمنهم من سقط في فخ المنصب بكل سهولة، ولكن العامل المشترك بينهم أن معظم هذه الرموز سقطت تحت عنوان براق، اسمه الإنسانية أو حقوق الإنسان!. هنا التزم الشباب الصمت الرهيب، وبدأ السؤال يطرح يكثافة ووضوح، هل حقوق الإنسان خطيئة أم أنها قداسة؟ ولكن لم يسأل بعضهم هل السياسة تبدأ فقط من حقوق الإنسان؟ وهل يصلح أن تكون هناك حقوق للإنسان في ظل اللادولة؟ أم يتم تأسيس الدولة أولًا حتى يكون هناك حقوق لإنسان حقيقي يعطي نفسه كرامة من كرامة دولته؟. عمومًا، دخل الشباب في صمت الاكتئاب، إلى أن فجر صمته قانون التظاهر، فشعر أن حريته تسلب منه وكأن دولة مبارك تعود من جديد، فالقانون ظهر في هذا التوقيت، كما فهمنا أنه من أجل العنف الإخواني في الشارع، أما ما وجده الشباب، أن القانون أول ما طبق نفذوها على شباب الثورة ورموزها، وقد مارست الشرطة ممارسات غريبة وعنيفة يومها، صورتها عدسات الصحافة وعيون الشباب، فزادت المخاوف لدى الشباب بأن صوتنا غير مرغوب أبدًا لدى هذا النظام، فهو يرى أن كل المطالب التي يطلبونها تعطل الفترة الانتقالية!. فبدأ هنا انطواء الشباب وعزوفهم مع زيادة التشوية الإعلامي لفكر الشباب، والتأكيد على أن عدم انسياقهم مع التيار يعني بوضوح أنهم إخوان، وأيضًا حتى لا يعطو فرصة لركوب الإخوان على صوت معارضتهم، كما حدث بالماضي القريب، إلى أن قارب الاستفتاء وبدأ الحشد من الإعلام لنعم، قبل حتى أن ينتهي واضعوا الدستور من كتابته. ووسط دعاية ساذجة ومستفزة للشباب بالتصويت بنعم، وتكثيف الدعاية بالشارع من المنتفعين المباشريين، من سرعة إجراء أي انتخابات حتى يجنون ثمار سعيهم، فوقف الشباب يمارس دور المتفرج الماقت المكتئب مما يحدث، ولكن على أمل أن يكون من يقود يعلم إلي أين يذهب بكل هؤلاء المنافقين المنتشرين حوله؟ فغاب الشباب عن اللجان لعدم وجود روح منافسة اللجان، ولتهميش دورهم الفاعل عمدًا. ولكن تهميش هذا الحماس وتهميش هذه الطاقه أكثر، قد يؤدي لانفجارها في أي وقت، بالأخص لو عدنا إلى أشباه الأنظمة السابقة.