أخرج الترمذى وحسنه عن حذيفة بن اليمان عن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا». يرفض الإسلام أن يكون الإنسان كماً مهملاً، يعيش على الهامش، لا دور له فى الإصلاح، ولا أثر له فى النفع العام، ولا رأى له على سبيل الاستقلال، ويسمى النبى، صلى الله عليه وسلم، من يكون كذلك «إمَّعة»، وهو الذى يتبع غيره، ويقول: أنا مع الناس، هكذا دون تمييز بين متابعة الناس فى الخير أو فى الشر، وقد قَالَ عَبْداللهِ بن مسعود، رضى الله عنه: «ليوطنن المرءُ نفسَه على أنه إنْ كفر مَنْ فى الأرض جميعا لم يكفر، ولا يكونن أحدُكم إمعة»، قيل: وما الإمعة؟ قال: «الذى يقول: أنا مع الناس. إنه لا أسوة فى الشر». الإمعة شخص لا يحمل رسالة، ولا يعيش لينصر قضية، يرى أنه لا شأن له بالمصلحين يساعدهم، ولا بالمفسدين يأخذ على أيديهم، بل يسير مع الريح، ويجعل أمره بيد من غلب، ومثل هذا لا تُبنى على كتفيه دولة ولا تنهض به أمة. إن الطبيعى لشخص يحترم ذاته ويحترم نفسه أن يقول: أنا مع الناس فى الخير، وأنا أصلح فساد الناس، حيثما وجدت باباً من الخير أسارع إليه وأشارك فيه، وحيثما وجدت باباً من الشر فلستُ معه بحال. وقد يتصور البعض أنه مسئول عن نفسه وليس عليه من فساد الآخرين شىء، ويستدلون بقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ»، وهذا للأسف مما يفهمه على سبيل الخطأ الكثير من الناس، وقد أخرج أبوداود والترمذى وصححه أن أبا بكر الصديق، رضى الله عنه، وقف على المنبر وقال بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَأونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا «عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ»، وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِىَّ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ». إن إصلاح الخلل وتقويم العوج مسئولية الأمة جميعا، ولا سبيل للنهضة بغير التربية عليه والمشاركة فيه، فهل قررت أن تتحرك ذاتيا وأن تكون إيجابيا فى مساعدة العاملين ومناهضة المفسدين، أم قنعت بأن تبقى فى الإمعات؟