البورصة المصرية تستعد لإطلاق منصة التداول الأساسية الجديدة خلال 2026    القاهرة الإخبارية: مصر ترسل القافلة 77 من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح    الكشف عن تفاصيل مباريات مُلحق القارات المؤهل لكأس العالم    توروب والشناوي يحضران غدًا المؤتمر الصحفي لمباراة شبيبة القبائل    الداخلية تنقذ 17 طفلا جديدا من التسول بمحافظتي القاهرة والجيزة.. وتضبط 11 شخصا    اليوم.. عرض ستة أفلام قصيرة ضمن "البانوراما المصرية" في مهرجان القاهرة السينمائي    اليوم.. عرض فيلم "صديق صامت" في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضمن مهرجان القاهرة السينمائي    بدء الصمت الانتخابي للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    هل يخفض البنك المركزي الفائدة لتهدئة تكاليف التمويل؟.. خبير يكشف    حقيقة فسخ عقد حسام حسن تلقائيا حال عدم الوصول لنصف نهائي أمم إفريقيا    لتصحيح الأوضاع.. السد يبدأ حقبة مانشيني بمواجهة في المتناول    المنيا: توفير 1353 فرصة عمل بالقطاع الخاص واعتماد 499 عقد عمل بالخارج خلال أكتوبر الماضي    مدبولي: لولا إرادة الرئيس ما كان ليتحقق هذا الإنجاز في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس    يديعوت أحرونوت: محمد بن سلمان يضغط لإقامة دولة فلسطينية في 5 سنوات    يوم الطفل العالمى.. كتب عن الطفولة الإيجابية    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    يضيف 3 آلاف برميل يوميًا ويقلل الاستيراد.. كشف بترولي جديد بخليج السويس    بعد فرض رسوم 5 آلاف جنيه على فحص منازعات التأمين.. هل تصبح عبئا على صغار العملاء؟    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    أوقاف شمال سيناء تحذر من "حرمة التعدي على الجار" فى ندوة تثقيفية    الداخلية تضبط أموالاً بقيمة 460 مليون جنيه من نشاط إجرامى    تفاصيل صادمة في واقعة تشويه وجه عروس مصر القديمة.. المتهمة أصابتها ب 41 غرزة وعاهة مستديمة.. وهذا سبب الجريمة    مساعدة وزير التعليم العالي تدعو لاستهداف المدارس في برامج الصحة العامة    الغرفة التجارية بالقاهرة تنعى والدة وزير التموين    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    بهاء طاهر.. نقطة النور فى واحة الغروب    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    أمين الفتوى يوضح حكم غرامات التأخير على الأقساط بين الجواز والتحريم    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    صحة بني سويف تطلق برنامجا إلكترونيا للحصول على خدمات العلاج الطبيعي الحكومية    انطلاق مباريات الجولة ال 13 من دوري المحترفين.. اليوم    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    عاجل - اتجاهات السياسة النقدية في مصر.. بانتظار قرار فائدة حاسم ل "المركزي" في ظل ضغوط التضخم    طاقم تحكيم مباراة الزمالك وزيسكو يصل القاهرة اليوم    20 نوفمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع اليوم    استشاري صحة نفسية توضح سبب ارتفاع معدلات الطلاق    محافظ القاهرة وعضو نقابة الصحفيين يبحثان سبل التعاون المشترك    التخطيط تبحث تفعيل مذكرة التفاهم مع وزارة التنمية المستدامة البحرينية    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    إندونيسيا: إجلاء أكثر من 900 متسلق عالق بعد ثوران بركان سيميرو    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا..... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    نشرة مرور "الفجر".. كثافات مرورية متحركة بطرق ومحاور القاهرة والجيزة    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    وزير الصحة يوجه بتشكيل لجنة للإعداد المبكر للنسخة الرابعة من المؤتمر العالمي للسكان    نصائح هامة لرفع مناعة الأطفال ومجابهة نزلات البرد    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العشرة الأواخر والدعاء
نشر في الفجر يوم 21 - 06 - 2012

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فعندما تنزل الحاجة بالعبد فإنه ينزلها بأهلها الذين يقضونها، وحاجات العباد لا تنتهي . يسألون قضاءها المخلوقين؛ فيجابون تارة ويردون أخرى.
وقد يعجز من أنزلت به الحاجة عن قضائها. لكن العباد يغفلون عن سؤال من يقضي الحاجات كلها؛ بل لا تقضى حاجة دونه، ولا يعجزه شيء، غني عن العالمين وهم مفتقرون إليه. إليه ترفع الشكوى، وهو منتهى كل نجوى، خزائنه ملأى، لا تغيضها نفقه، يقول لعباده: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.
كل الخزائن عنده، والملك بيده: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}... [الملك]، {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}.. [الحجر]، يخاطب عباده في حديث قدسي فيقول: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أًدخل البحر)... [ رواه مسلم 2577].
ويقول سبحانه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }... [فاطر].
لا ينقص خزائنه من كثرة العطايا، ولا ينفد ما عنده، وهو يعطي العطاء الجزيل {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ}... [النحل: 96].
قال النبي عليه الصلاة والسلام (يدُ الله ملأى لا تغيضها نفقه سحاءُ الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع)... [ رواه البخاري 684 ومسلم 993].
هذا غنى الله، وهذا عطاؤه، وهذه خزائنه، يعطي العطاء الكثير، ويجود في هذا الشهر العظيم؛ لكن أين السائلون؟ وأين من يحولون حاجاتهم من المخلوقين إلى الخالق؟ أين من طرقوا الأبواب فأوصدت دونهم؟ وأين من سألوا المخلوقين فرُدوا؟ أين هم؟ دونكم أبواب الخالق مفتوحةً! يحب السائلين فلماذا لا تسألون؟
لماذا الدعاء؟!
لا يوجد مؤمن إلا ويعلم أن النافع الضار هو الله سبحانه، وأنه تعالى يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويرزق من يشاء بغير حساب، وأن خزائن كل شيء بيده، وأنه تعالى لو أراد نفع عبد فلن يضره أحد ولو تمالأ أهل الأرض كلهم عليه، وأنه لو أراد الضر بعبد لما نفعه أهل الأرض ولو كانوا معه.
لا يوجد مؤمن إلا وهو يؤمن بهذا كله؛ لأن من شك في شيء من ذلك فليس بمؤمن، قال الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }... [يونس : 107] .
نعم والله لا ينفع ولا يضر إلا الله تعالى: {إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}... [النحل : 53]
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}... [الإسراء : 67]، سقطت كل الآلهة، وتلاشت كل المعبودات وما بقي إلا الله تعالى {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}... [الإسراء : 67]، {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً}.. [الفتح :11].
لا يسمع دعاء الغريق في لجة البحر إلا الله. ولا يسمع تضرع الساجد في خلوته إلا. ولا يسمع نجوى الموتور المظلوم وعبرته تتردد في صدره، وصوته يتحشرج في جوفه إلا الله. ولا يرى عبرة الخاشع في زاويته والليل قد أسدل ستاره إلا الله {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى {7} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى}... [طه:8].
يغضب إذا لم يُسأل، ويحب كثرة الإلحاح والتضرع، ويحب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف كرب المكروب إذا سأله {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }... [النمل:62] .
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)... [رواه البخاري 7494 ومسلم 758].
الله أكبر، فضل عظيم، وثواب جزيل من رب رحيم، فهل يليق بعد هذا أن يسأل السائلون سواه؟ وأن يلوذ اللائذون بغير حماه؟ وأن يطلب العبادُ حاجاتهم من غيره؟ أيسألون عبيداً مثلهم، ويتركون خالقهم؟! أيلجأون إلى ضعفاء عاجزين، ويتحولون عن القوي القاهر القادر ؟! هذا لا يليق بمن تشرف بالعبودية لله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل)... [رواه أبو داود 1645والترمذي وصححه 2326].
فضل الدعاء
إن الدعاء من أجلِّ العبادات؛ بل هو العبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذلك لأن فيه من ذلِّ السؤال، وذلِّ الحاجة والافتقار لله تعالى والتضرع له، والانكسار بين يديه، ما يظهر حقيقة العبودية لله تعالى؛ ولذلك كان أكرم شيء على الله تعالى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)... [رواه الترمذي وحسنه 3370 وابن ماجه 3829].
وإذا دعا العبد ربه فربه أقربُ إليه من نفسه {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}... [البقرة : 186].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: في ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر كما روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للصائم عند فطره دعوةً ما ترد)... [رواه ابن ماجه 1753، وانظر تفسير ابن كثير 1/ 328 ] دعوةٌ عند الفطر ما ترد، ودعاء في ثلث الآخر مستجاب، وليلةٌ خير من ألف شهر، فالدعاء فيها خير من الدعاء في ألف شهر.
ما أعظمه من فضل! وأجزله من عطاء في ليالٍ معدودات. فمن يملك نفسه وشهوته، ويستزيد من الخيرات، وينافس في الطاعات، ويكثرُ التضرع والدعاء.
ليالي الدعاء
نحن نعيش أفضل الليالي، ليالٍ تعظُم فيها الهبات، وتنزل الرحمات، وتقال العثرات، وترفع الدرجات.
فهل يعقل أن تقضى تلك الليالي في مجالس الجهل والزور، وربُ العالمين ينزل فيها ليقضي الحوائج. يطلع على المصلين في محاريبهم، قانتين خاشعين، مستغفرين سائلين داعين مخلصين، يُلحون في المسألة، ويرددون دعاءهم: ربنا ربنا.
لانت قلوبهم من سماع القرآن، واشرأبت نفوسهم إلى لقاء الملك العلام، واغرورقت عيونهم من خشية الرحمن. فهل هؤلاء أقرب إلى رحمة الله وأجدر بعطاياه أم قوم قضوا ليلهم فيما حرم الله، وغفلوا عن دعائه وسؤاله؟ كم يخسرون زمن الأرباح؟ وساء ما عملوا؟ ما أضعف هممهم، وما أحط نفوسهم، لا يستطيعون الصبر ليالي معدودات!!
من يستثمر زمن الربح ؟!
هذا زمن الربح، وفي تلك الليالي تقضى الحوائج؛ فعلق – أخي المسلم – حوائجك بالله العظيم، فالدعاء من أجل العبادات وأشرفها، والله لا يخيب من دعاه قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}... [غافر : 60] وقال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}... [الأعراف :56] .
العلاقة بين الصيام والدعاء
آيات الصيام جاء عقبها ذكرُ الدعاء: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}... [البقرة : 186].
قال بعض المفسرين: (وفي هذه الآية إيماءٌ إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان)... [التحرير والتنوير 2/179] والله تعالى يغضب إذا لم يسأل قال النبي عليه الصلاة والسلام (من لم يسأل الله يغضب عليه)... [رواه أحمد 2/442 والترمذي 3373] .
الله تعالى أغنى وأكرم
مهما سأل العبد فالله يعطيه أكثر، عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر).. [ رواه أحمد 3/18].
والدعاء يرد القضاء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)... [رواه الترمذي وحسنه 2139 والحاكم وصححه 1/493].
وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء).. [ رواه أحمد 5/234 والحاكم 1/493] فالله تعالى أكثر إجابة، وأكثر عطاءً.
الذل لله تعالى حال الدعاء
إن الدعاء فيه ذلٌ وخضوع لله تعالى وانكسار وانطراح بين يديه، قال ابن رجب رحمه الله تعالى: وقد كان بعض الخائفين يجلس بالليل ساكناً مطرقاً برأسه ويمد يديه كحال السائل، وهذا من أبلغ صفات الذل وإظهار المسكنة والافتقار، ومن افتقار القلب في الدعاء، وانكساره لله عز وجل، واستشعاره شدة الفاقةِ، والحاجة لديه. وعلى قدر الحرقةِ والفاقةِ تكون إجابة الدعاء، قال الأوزاعي: كان يقال: أفضل الدعاء الإلحاح على الله والتضرع إليه)... [الخشوع في الصلاة ص72] .
أيها الداعي : أحسن الظن بالله تعالى
والله تعالى يعطي عبده على قدر ظنه به؛ فإن ظن أن ربه غني كريم جواد، وأيقن بأنه تعالى لا يخيب من دعاه ورجاه، مع التزامه بآداب الدعاء أعطاء الله تعالى كل ما سأل وزيادة، ومن ظن بالله غير ذلك فبئس ما ظن، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني).. [رواه البخاري 7505 ومسلم 2675].
الدعاء في الرخاء من أسباب الإجابة
إذا أكثر العبدُ الدعاء في الرخاء فإنه مع ما يحصل له من الخير العاجل والآجل يكون أحرى بالإجابة إذا دعا في حال شدته من عبد لا يعرف الدعاء إلا في الشدائد . روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء).. [رواه الترمذي وحسنه 3282 والحاكم وصححه 1/ 544].
ومع أن الله تعالى خلق عبده ورزقه، وأنعم عليه وهو غني عنه؛ فإنه تعالى يستحي أن يرده خائباً إذا دعاه، وهذا غاية الكرم، والله تعالى أكرم الأكرمين.
روى سلمان رضي الله عنه فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حييٌّ كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خالتين)... [رواه أبو داود 1488والترمذي وحسنه 3556].
العبرة بالصلاح لا بالقوة
قد يوجد من لا يؤبه به لفقره وضعفه وذلته؛ لكنه عزيز على الله تعالى لا يرد له سؤالاً، ولا يخيب له دعوة، كالمذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم (رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)... [رواه مسلم 2622] .
أيها الداعي: لا تعجل
إن من الخطأ أن يترك المرء الدعاء؛ لأنه يرى أنه لم يستجب له ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي)... [رواه البخاري 6340 ومسلم 2735].
قال مُورِّقٌ العجلي: (ما امتلأت غضباً قط، ولقد سألت الله حاجة منذ عشرين سنة فما شفعني فيها وما سئمت من الدعاء) [نزهة الفضلاء ص 398].
وكان السلف يحبون الإطالة في الدعاء قال مالك: (ربما انصرف عامر بن عبد الله بن الزبير من العتمة فيعرض له الدعاء فلا يزال يدعو إلى الفجر)... [نزهة الفضلاء 484].
ودخل موسى بن جعفر بن محمد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدة في أول الليل فسمع وهو يقول في سجوده: (عظمُ الذنبُ عندي فليحسن العفو عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة، فما زال يرددها حتى أصبح)... [نزهة الفضلاء 538] .
الصيغة الحسنة في الدعاء
ينبغي - أيها المسلم - أن تقتفي أثر الأنبياء في الدعاء، سئل الإمام مالك عن الداعي يقول: يا سيدي فقال: ((يعجبني دعاء الأنبياء: ربنا ربنا).. [ نزهة الفضلاء 621] .
هذه أيام الدعاء
هذا بعض ما يقال في الدعاء، ونحن في أيام الدعاء وإن كان الدعاء في كل وقت؛ لكنه في هذه الأيام آكد؛ لشرف الزمان، وكثرة القيام .
فاجتهد في هذه الأيام الفاضلة فلقد النبي صلى الله عليه وسلم يشد فيها مئزره، ويُحيي ليله، ويوقظ أهله. كان يقضيها في طاعة الله تعالى؛ إذ فيها ليلة القدر لو أحيا العبد السنة كلها من أجل إدراكها لما كان ذلك غريباً أو كثيراً لشرفها وفضلها، فكيف لا يُصبِّر العبد نفسه ليالي معدودة.
فاحرص - أخي المسلم - على اغتنام هذه العشر، وأر الله تعالى من نفسك خيراً. فلربما جاهد العبدُ نفسه في هذه الأيام القلائل فقبل الله منه، وكتب له سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وهي تمرُّ على المجتهدين واللاهين سواء بسواء؛ لكن أعمالهم تختلف، كما أن المدون في صحائفهم يختلف، فلا يغرنك الشيطان فتضيع هذه الأيام كما ضاع مثيلاتها من قبل.
أسأل الله تعالى أن يتولانا بعفوه، وأن يرحمنا برحمته، وأن يستعملنا في طاعته ، وأن يجعل مثوانا جنته، وأن يتقبلنا في عباده الصالحين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآلة وصحبه أجمعين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.