سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجالية التركية: نعيش فى بلدنا الثانى و نرفض تدخل «أردوغان»فى شئون مصر «أورهان»: الحكومات والسياسات متغيرة.. والعلاقات الإنسانية بين الشعبين المصرى والتركى باقية
فى فيلات وشقق فاخرة بقلب «القاهرة» يعيشون، ويؤكدون أنهم «يعشقون مصر والمصريين»، ويتباهون بالعلاقات التاريخية التى تجمع شعبهم بالمصريين وتمتد جذورها إلى مئات السنين، فيما يرفضون السياسات الخارجية لرئيس حكومتهم، رجب طيب أردوغان، خصوصاً فيما يتعلق بموقفها من مصر وسوريا، يرفضون تدخله فى شئون الدول العربية التى تربطها ببلادهم علاقات ليست حديثة العهد، لا تزعزعها السياسات الحكومية المتغيرة كما يقولون.. «الوطن» التقت بعض أفراد الجالية التركية الذين يعيشون فى مصر منذ سنوات، ويبلغ عددهم حوالى 5 آلاف نسمة، وفقاً لبيانات السفارة التركية، بعضهم يعمل فى مجال الاستثمار، والبعض الآخر اختار الحياة فى القاهرة من أجل التعليم فى الأزهر، وتحصيل اللغة العربية. «الجالية التركية مُرحب بها فى مصر»، هذا ما أكده السفير بدر عبدالعاطى، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، فى المؤتمر الصحفى الذى أعلن فيه تخفيض الوجود الدبلوماسى لتركيا فى القاهرة إلى حد القائم بالأعمال، فيما حذرت الخارجية التركية رعاياها المقيمين فى مصر من السفر بين المدن المصرية، براً أو الوجود فى الميادين التى تشهد تظاهرات، لأن الأوضاع الحالية تشكل خطورة على الأتراك المقيمين فيها أو المسافرين إليها. وبعيداً عن تصريحات وكلام المسئولين والساسة فى البلدين، نجحت «الوطن»، فى الوصول إلى أفراد من الجالية التركية التى تعيش فى القاهرة، وتعرفت على أماكن وجودهم وسكنهم، ومدارسهم واستثماراتهم التجارية، وإلى أى مدى انعكس التوتر القائم بين قيادات الدولتين على حياتهم، منذ ثورة 30 يونيو. فى مدرسة صلاح الدين الدولية التركية، فى التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، يدرس بها نحو 90% من أبناء الجالية التركية، وفقاً لمدير المدرسة «أورهان كسكين»، وال10% الأخرى من الأتراك يدرسون فى مدارس أخرى دولية، بسبب بُعد «صلاح الدين»، عن أماكن إقامتهم فى 6 أكتوبر، والغردقة، وشرم الشيخ. ومدرسة صلاح الدين الدولية، تنتشر فروعها فى 100 دولة حول العالم، ويمتلكها رجال أعمال ومستثمرون أتراك، وأغلب تلاميذها من المصريين، بينما يأتى الأتراك فى المرتبة الثانية من حيث العدد، ثم جنسيات أخرى، تتنوع ما بين الأمريكان والصينيين والأوروبيين والكنديين، ويقدرهم «أورهان» مدير المدرسة، بأن 70% منهم مصريون و20% من الأتراك و10% جنسيات أخرى. يتحدث «أورهان»، الرجل الأربعينى، باللغة التركية عن نشأة المدرسة وتاريخها وعلاقتها بالإخوان، ويترجم كلماته إلى العربية أحد العاملين بالمدرسة قائلاً: «نحن نستثمر فى التعليم، وليست لنا أى علاقة بالسياسية». الدراسة داخل المدرسة التى تم إنشاؤها عام 2009 تبدأ من «K. G 1» بسعر 33 ألف جنيه، وتزداد المصاريف تدريجياً فى السنوات التالية حتى الشهادة الثانوية. يضيف مدير المدرسة: «ليست لنا أية علاقة بالحكومة التركية، فالمدرسة ملكية خاصة لرجال أعمال أتراك، وتمثل مصر فى جميع الفعاليات العالمية التى تشارك فيها، باعتبارها موجودة على أراضيها، كما حدث فى عام 2011، عندما فازت بالمراكز الأولى فى العديد من المسابقات التى أجريت فى أمريكا والإمارات وجورجيا وتركيا». ويتابع: «فى بداية العام الدراسى اجتمعنا كإدارة للمدرسة مع أولياء الأمور كل بمفرده، وأكدنا لهم أننا فى مؤسسة تعليمية، ليست لها علاقة بالشأن السياسى، ولن نسمح بذلك، وتكرر نفس الاجتماع مع الطلاب الذين جاءوا للمدرسة من أجل التعلم فقط، وسبب تكثيفنا تلك الاجتماعات فى العام الحالى، هو حالة الاستقطاب الشديدة فى المجتمع»، هكذا تحدث مدير المدرسة عن الاتهامات التى تصف المدرسة بأنها تروج لفكر الإخوان، مؤكداً أنهم يعيشون فى مصر ضيوفاً، وليس من حق الضيف أن يتدخل فى شئون مضيفيه ولو بإبداء الرأى. جدران وفناء المدرسة التى يرفرف عليها علما «مصر وتركيا» يخلو من أى عبارات أو شعارات سياسية، يدرس داخل فصولها بجميع مراحلها التعليمة 600 طالب من جنسيات مختلفة، ويشدد مديرها، على أن المدرسة مؤسسة استثمارية تعليمية تقدم تعليماً متميزاً، وأنها مستمرة فى إنشاء العديد من المدارس فى مصر، كما كان مخططاً مسبقاً سواء مدارس دولية أو لغات، وكانت باكورة تلك المدارس فى بنى سويف العام الماضى، ويدرس بها حالياً 500 طالب، لافتاً إلى أن المدرسة وطلابها سواء فى القاهرة أو بنى سويف لم يتأثروا بأى أحداث سواء قبل 30 يونيو أو بعدها، باستثناء بعض العطلات الإلزامية التى فرضتها وزارة التربية والتعليم نتيجة الأحداث التى شهدتها البلاد فى 25 يناير و30 يونيو. « أورهان» اختتم حديثه قائلاً: «الحكومات متغيرة، والشعوب باقية، والشعبان المصرى والتركى بينهما روابط مشتركة، وعلى كل منهما احترام الآخر، بخلاف الحكومات التى يوجد بينها عداء يتغير مع مرور الوقت». العلاقات المصرية التركية تعود إلى عام 868 ه، فى حكم الدولة العباسية، وتولى حكام ذوى أصول تركية حكم ولاية مصر، وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات بدأ التمثيل الدبلوماسى بين البلدين فى عام 1925 على مستوى القائم بالأعمال، وفى عام 1948 تم رفع مستوى التمثيل إلى «سفير». «يوماص» شاب فى نهاية العقد الثالث من العمر، تميل بشرته إلى السمرة، ابتسامته الهادئة تسبق كلماته التى يؤكد فيها أن حياته الشخصية أو العملية لم تشهد أى تغيير بسبب توتر العلاقات بين الحكومة التركية ونظيرتها المصرية، سواء على مستوى «العملاء»، أو العاملين المصريين معه، أو جيرانه فى الحى الراقى: قال: «إحنا موجودين فى مصر من أجل الاستثمار والعمل وبس». بنظرات رجل الأعمال الواثق يتحدث «يوماص» الذى جاء إلى مصر منذ عام ونصف العام، للاستثمار ويعمل مديراً عاماً بشركة «بيم ماركت»، تركية الملكية، مضيفاً: الشركة يوجد لها فى مصر الآن 34 فرعاً، منها 15 فرعاً جديداً تم افتتاحها بعد 30 يونيو، ونحن مستمرون فى عملنا دون أى عقبات، وهناك فرع جديد سيجرى افتتاحه فى المقطم، وفى خطة الشركة المستقبلية سيجرى افتتاح مئات الفروع الأخرى»، موضحاً أن ما يؤثر على السوق المصرية هو نفسه ما يؤثر عليهم، فبسبب حظر التجوال وحالة التوتر التى يعانى منها الشارع المصرى تراجعت حركة البيع عن معدلاتها الطبيعية، لكن سرعان ما عادت إلى طبيعتها الآن، كما حدث مع كل الشركات التى تعمل فى السوق سواء كانت مصرية أو أجنبية. يقيم «يوماص» فى فيلا بمدينة الرحاب، مع شقيقته الطالبة بالصف الثانى الثانوى، بمدرسة صلاح الدين، التى جاءت إلى مصر من أجل تعلم اللغة العربية، ويؤكد أن تعلم العربية فى مصر أفضل كثيراً من تعلمها فى تركيا، ويرجع اختياره الاستثمار فى مصر إلى أن السوق مفتوحة فيها، فضلاً عن قربها من تركيا، والعلاقة القوية التى تربط بين الشعبين، حسب قوله، حتى إنه لم يفكر فى الرحيل عن مصر، وسيظل بها من 7 إلى 8 سنوات أخرى على الأقل، مؤكداً أنه يتمنى أن يعيش فيها دائماً. وعن شركته، قال «يوماص»، إنها مملوكة لرجال أعمال أتراك، بنسبة 100%، ويديرها فى مصر 3 مديرين من تركيا، يعمل معهم 250 عاملاً مصرياً، 90% من المنتجات المعروضة داخل سلسلة «محلات بيم» مصرية، و10% منها فقط تركية المنشأ». بيم «bim»، شركة تركية متخصصة فى بيع المواد الغذائية بالتجزئة، ويمتلكها ويرأس مجلس إدارتها حسن جونيت زاب صو، رجل الأعمال البارز، وأحد مؤسسى حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فى تركيا، دخلت السوق المصرية العام قبل الماضى، وكان دخولها إلى مصر ضمن سياسة التوسع التى تنتهجها الشركة العالمية، حيث يوجد لها 2000 فرع فى جميع أنحاء العالم، وفقاً لموقع الشركة، وحققت نسبة نمو خلال عام 2012 بلغت 21%، ووصل إجمالى مبيعاتها إلى 9.9 مليار ليرة تركية، بما يعادل 5.5 مليار دولار أمريكى. فى مدينة الرحاب، يعيش «طلعت يلديز» مع أسرته المكونة من زوجته وأبنائه الثلاثة منذ 4 سنوات، قدم إلى مصر فى عام 2009، ويرأس حالياً مجلس إدارة شركة «tnc» للنسيج فى مدينة العبور، وهى شركة ذات ملكية مشتركة، مناصفة بين مستثمرين مصريين وأتراك، وتصدر جميع منتجاتها إلى خارج مصر وتحديداً أمريكا، ودول الاتحاد الأوروبى، وفقاً لرئيس مجلس إدارتها. «يلديز» رجل ذو ملامح هادئة، أربعينى العمر، تركى الجنسية، يعيش حياة لا تقل هدوءاً عن الحى الذى يقيم فيه، قال: «مصر بلدى الثانى، وأنعم بالعيش فيه، ولم تختلف حياتى فيها سواء قبل ثورة 25 يناير أو بعدها ونفس الأمر بعد ثورة 30 يوليو»، يواصل «يلديز» موضحاً أن التأثير السلبى لم يتجاوز فترة الأحداث خلال الثورتين، حيث أغلق المصنع أبوابه وتوقف عن العمل لأيام معدودة، حتى عادت الحياة إلى طبيعتها فى الشارع المصرى، ولم يتأثروا بها بصورة كبيرة. وتعيش المرأة التركية فى مصر منذ سنوات، إما لمرافقتها لزوجها، أو للعمل فى إحدى المؤسسات أو الشركات التركية ويختلف أسلوب حياتها عن حياة الرجل، كما تختلف اهتماماتها، وتحتك بجيرانها أكثر من زوجها الذى يخصص الجزء الأكبر من وقته للعمل. زاهر بكر، سيدة تركية تقيم فى التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، جاءت إلى مصر برفقة زوجها منذ 3 سنوات للعمل فى مدرسة صلاح الدين الدولية، تقضى يومها ما بين عملها وبيتها وأحياناً ما تختمه بالتنزه ليلاً مع زوجها فى التجمع أو الرحاب. وفى إطار مجتمعها المحدود، كما تروى، لم تتغير علاقتها بأحد من أفراده سواء طلابها وأولياء أمورهم أو جيرانها على مدار الفترة التى عاشتها فى مصر. علقت على التوتر بين البلدين بقولها: «السياسات تتغير بين يوم وليلة، لكن العلاقات الشخصية والروابط الاجتماعية والتاريخية تظل خالدة لا تتأثر أو تتغير بسياسات الحكومات وتوجهاتها، وهذا ما يجمعنا بالمصريين». تشترك «زاهر» مع «إليف كذل» السيدة التركية التى تعمل معها فى نفس المدرسة فى الزى الذى يتسم بالحشمة والحجاب القصير الذى يكسو الرأس والعنق، و«إليف» سيدة فى منتصف العقد الثالث من العمر، تعمل مدرسة للغة التركية بمدرسة صلاح الدين منذ عامين، جاءت إلى مصر منذ 3 سنوات أيضاً برفقة زوجها و3 من أبنائها، وأنجبت طفلها بعد قدومها إلى مصر، تعبر عن سعادتها بالإقامة فى مصر: «أنا هنا مبسوطة جداً زى بلدى»، وعن علاقتها بالمصريين، التى تقتصر على زملائها من المدرسين والمدرسات المصريين الذين يعملون معها فى نفس المدرسة وأولياء أمور تلاميذها، تؤكد أنها تتسم بالود والحب، لم يعكر صفوها أى شىء على الإطلاق، وأن التواصل بينهم مستمر، وأن هناك العديد من الأتراك أنفسهم يرفضون سياسة «أردوغان» الخارجية، خصوصاً تجاه مصر أو سوريا. «هذه المسلسلات لا تعبر عن المجتمع التركى أو المواطنين الأتراك، لا يوجد إقبال على مشاهدتها فى تركيا، لذلك تباع إلى التليفزيونات العربية»، هذا ما أكدته «إليف» عن المسلسلات التركية التى كانت تذاع على الفضائيات المصرية قبل 30 يونيو، وهناك شريحة كبيرة من الأتراك لا يهتمون بها أو يشاهدونها، لأنها لا تعبر عن مجتمعهم الذى تربوا ونشأوا فيه، لذلك لا تتابعها حتى فى أوقات فراغها، وإنما تسمع عنها من تلاميذها. تتحدث «إليف» عن الأماكن الترفيهية التى يقضى بها الأتراك فى مصر أوقات فراغهم، فتقول إنها تتعرف عليها من طلابها، وتتنوع ما بين المولات التجارية والمناطق الأثرية والسياحية. تصمت لبرهة قبل أن تبتسم ابتسامة هادئة، قائلة: «الناس اللى بنقابلها هنا بتسألنا أنتم أتراك؟ وبيكونوا سعداء برؤيتنا كما نكون نحن أيضاً سعداء بالتعامل معهم». «أنا بحب مصر وأصحابى كلهم اللى عرفتهم فى المدرسة»، بلغة عربية تحدثت الفتاة التركية فايزة نور، الطالبة بالصف الثانى الثانوى عن إقامتها فى مصر، منذ أكثر من 10 سنوات. «نور» ذات ال16 عاماً، جاءت إلى مصر وعمرها 6 سنوات بسبب عمل والدها فى القاهرة، عن أصدقائها المصريين قالت: «إحنا أصحاب بنتعلم وبنلعب مع بعض، وما نعرفش حاجة عن السياسة، ولا بنهتم بها، وأنا زعلانة، لأنى هادخل الكلية فى تركيا وهابعد عن أصدقائى اللى عشت معاهم السنين دى كلها». وفقاً لأحد المصادر داخل السفارة التركية، فى شارع الفلكى بمنطقة باب اللوق، فإن السفارة لم تستقبل أى شكوى من مواطنيها الأتراك المقيمين فى مصر، سواء من الجهات المسئولة أو الأفراد بسبب حالة التوتر السائدة بين حكومتى القاهرة وأنقرة. موضحاً أن أعداد الجالية التركية فى مصر تتراوح ما بين 4 آلاف والنصف، و5 آلاف مواطن، وفقاً للأعداد التى تسافر إلى تركيا فى إجازات وتعود منها مرة أخرى. فى جلسة لا تخلو من الجو الأسرى، تجلس إكرام عبدالعليم، محامية، ووالدة لطفلتين بمدرسة صلاح الدين التركية، فى لقاءات تثقيفية تهدف إلى تقوية اللغة التركية لأبنائها، موضحة أن العلاقات بينها وبين بعض الأفراد من الجالية التركية فى مصر أشبه بالعلاقات الأسرية، وقائمة على الحب والمودة. قالت إن علاقتها بهم توطدت بعد عودتها من تركيا، والتحاق أبنائها بمدرسة «تقدم مادة تعليمة متميزة فى اللغات سواء العربية أو الإنجليزية أو التركية»، ترى «إكرام» أن الخطوات التى اتخذتها مصر من أجل تخفيض التعاون الدبلوماسى مع تركيا، بإخطار السفير التركى بأنه «شخص غير مرغوب فيه»، كانت ضرورية ولا بد منها، خصوصاً بعد موقف «أردوغان» وعدائه المستمر لمصر وإرادة شعبها. وفى نفس الوقت، فإن الأتراك الذين يعيشون فى مصر، كما تقول، يرون أنه تدخل فى الشأن الداخلى لمصر، وهو ما ليس من حقه. تتدخل ابنتها نادين أمير، الطالبة بالصف السادس الابتدائى، للحديث عن زميلاتها من الأتراك، قائلة: «إحنا أصحاب وأصدقاء وبنسافر بره مع بعض، وبنلعب فى المدرسة سوا»، لا تعرف الطفلة أو أصدقاؤها أى شىء عن السياسة غير الكلمات التى تلتقطها من شاشة التليفزيون فى المنزل، مضيفة: «إحنا لما بنيجى نسأل المدرسة إنتى مع مين؟ بتقول إحنا هنا علشان نتعلم وملناش دعوة بالسياسة وكل واحد حر فى رأيه، بس يقوله بره المدرسة».