توقف ريشة المروحة أقلق منامه، فالحر يداهمه، والرطوبة صارت ملازمة لجو منزله، وقعت عيناه على ساعة الحائط فوجدها تدق الواحدة والنصف ظهراً، ريقه كالحجر، ثواب الصيام هوّن عليه المشقة، فاتته صلاة الظهر، فهرع ليتوضأ، يدعو الله أن يخفف عنه قيظ الشمس ولفحتها، ولينال من قطرات المياه ما يطفئ لهيبه، لكن الصدمة اكتملت حين فتح «الحنفية» فوجدها تخرج هواءً تبعته نقطة مياه واحدة، عندها تيقن أن المياه مقطوعة وما عليه سوى الانتظار. الدقائق امتدت لنحو ساعة، ظل خلالها الحاج محمود أحمد مراوحاً بين سريره والحمام، العقارب تتسارع فتتخطى الثالثة بدقائق، صلاة العصر تقترب، عندها قرر أن ينزل إلى المسجد، فباغته نداء أكمل مأساته «يا أهل الحى الكرام الميه مقطوعة فى الجامع.. الناس تيجى متوضية من بيتها».. قالها خادم مسجد محمود الريس بالمطرية، فأحبطت الرجل العجوز، النداء يتكرر يومياً تقريباً من بداية شهر رمضان -حسب الرجل الستينى- وتزداد معاناته حين ينتهى ما خزنته زوجته من مياه بفعل انقطاعها المتكرر، المشهد داخل المسجد لا يرضى «عدو ولا حبيب» فالمنطقة تضم عدداً كبيراً من الصنايعية افترشوا أرضية المسجد عسى أن يجدوا فيه نسمة الهواء أو قطرة الماء التى يبحثون عنها لكنهم لا يجدون. الحاج محمود يشكو سوء إدارة الحى فى التعامل مع المياه فى شهر الصيام، ويقول متأففاً: «يعنى مش كفاية الكهربا اللى بتقطع طول اليوم.. هيبقى نور وميه»، زوجته «أم محمد» تحاول أن تهون عليه فتطلب منه الذهاب إلى مسجد آخر يبعد عن منزله ولا تنقطع عنه المياه بسبب وجود «ترمبة رفع» لكن مرضه يمنعه من ذلك، فيما ترى «أنهار محمد» جارتهم أن مشكلة المياه تقع على عاتق المسئولين بالحى وكذلك الأهالى «ما هو إحنا لو بنتقى الله ومبنرميش الميه ع الفاضى فى غسيل العربيات ورش الشوارع عشان الطراوة.. كنا عرفنا قيمتها»، معتبرة أن المياه لا تصل إليها فى الدور الثالث إلا قليلاً بسبب ضخها الضعيف «كل يوم والتانى ماسورة تتكسر فيضعفوا الميه.. بس بصراحة الضغط شديد.. السكان بيزيدوا والمواسير هى هى»، عم «محمود» يعلم أن المياه لا لون لها ولا طعم ولا رائحة غير أنه متأكد أنها «حياة» لذا لا يطلب من الحى سوى إخباره بمواعيد انقطاعها حتى لا يعانى الأمرَّين فى أداء فرض الصلاة.