يحاربنا بنو صهيون حربَ فارسٍ لفارس، ساحةُ الوغى هى الجبهة، التى هى غُرّة الوطن، يرسم الخطط ليضرب فى عمق الديار، لكن جيشنا يحمى سماءنا وأرضنا الداخلية، مثلما منثورٌ هو على جبهة بلادى يذود عنها، فلا تقدر يدُ صهيون السوداء أن تمتدَّ لقلب مصر، بل تحاور وتناور على الشريط الضيّق الذى يفصل أرضَنا عن أرضِ فلسطين الحبيبة التى احتلّها واستعمرها. هُزمنا يوم خُدعنا ولم نحارب، لكننا حين انتفضنا وحاربنا انتصرنا، ذاك شأنُ جيشنا العظيم مع عدونا الرابض شرقنا فى أرضنا المحتلة، ذاك شأنُ الجسد العفىّ حين يضربه مرضٌ خارجىٌّ عارضٌ، مصلٌ من المضاد الحيوى يُقوّى مناعة البدن، فتتجمع قواهُ الداخلية ويهزم الغازى الذى غامر بسرقة ما ليس له. لا نهاب هذا النمط من «العدو»، لأنه مكشوفٌ ومعروف، لُغته غيرُ عربيتنا، ودماؤنا الحرةُ لا تشبه دماءه. يضع فوق رأسه «كيباه» إسرائيلية محفوراً عليها نجمةٌ سداسية نعرفها فلا نخطئه. لكنْ، ما حيلتُنا فى عدو مندسّ داخل طمينا؟ يتكلم لغتَنا ويحمل وجهَنا، حتى وإن اختلفت المعاجمُ وتباينت القلوب، قلوبنا مزروعةٌ فى قلب مصر الطيبة، وقلوبهم مفطورة على البغضاء والدم، فى صدرنا نحملُ تاريخَ أرض «طِيبة» الحرَّ العريق، ويحملون تاريخاً معجوناً بالخيانة والعبودية والتآمر والإرهاب. كيف لجسد مصر الفتىّ أن يحارب مرضاً عضالاً ينبتُ فى داخل الأحشاء من دون أن يتمزّق؟! ورمٌ خبيث ينخرُ فى العظام، فيروسٌ ضئيل لا تراه العينُ، لكنه يحملُ الشرَّ والموت والنذالة! آه يا وطنى! ياللى شايل هَمّ أمّة، ياللى يومك ألف غُمة.. ليه عيالك كالديابة وسط غابة، سانّين سنانهم غارسين فى جسمك ألف ناب! وأنت كالعود النحيل وسط موج عالى وليل؟! هل نسيوا خيرك؟! نسيوا إنك فى المجاعة تشوى كبدك للى ياكل؟ نسيوا إنك فى الصقيع كنت تبنى من عظامك ألف كوخ؛ لاجل يتدفوا صغارك والشيوخ؟! كل واحد م اللى كان خيرك عليهم شايل المكر فى جوانحه.. عين بتكره، وفى العين التانية ابتسامة، إيد بورده؛ ييجى يشبكها فى توبك، وإيد مخبية خناجر، لاجل يغرسها ف ضلوعك! آه يا وطنى! إيد بتدبح، وإيد بتسند قلبك المدبوح وهو بيتهاوى فى بِركة دماه، وقبل ما تغمّض عنيك، تبصّ ف عيون اللى قاتلك، يطفُر الدمع اللى يكوى، لما تلقاه ابن عمك، لأ، ده أخوك! تيجى تحزن، تسمع الأصوات بتعلى ف كل حتة: سامحه يا وطنى، ده أخوك! لأ مش أخويا، مستحيل يكون أخويا اللى يضربنى فى ضهرى، اللى خاين مش أخويا، حتى عدوى، لما بيطلّع سلاحه لاجل يحصد روحى بيه، وجهه ف وجهى، عينه فى عينى، وقبل ما صدرى يقابل طعنته يسكت شويه ويبتسم، باخجل أوى لما يقولى: فارس لفارس باطعنك فى الصدر وفى قلب الميدان، مش زى غدرة ابن ابوك، يغرس ف ضهرك خنجره علشان جبان، كده أبقى أشرف من أخوك، كسرونى أهلى وعزوتى، آه يا وطنى ولا عمرك راح تنكسر، إنت اللى باقى وهم للزوال.