"يعني البلد مفيهاش فلوس تدي للناس اللي محتاجة وبتحفى عشان قروش، ومعاها فلوس تديني مرتب ومعاش بدون سند ولا قانون، في شرع مين دا؟". تفاصيل غير منطقية لواقعة يتعرض لها المواطن متولي محمود السيد أحمد، منذ العام 1998، لم يذنب الرجل، فقط كشف فسادا في الفرع الذي يعمل فيه، فظل البنك يعاقبه على نزاهته حتى يومنا هذا. واقعة غريبة بدأت في بنك القاهرة لمتولي الذي ظن أن الحياة ستبتسم له حين بدأ العمل بالبنك، في 5 نوفمبر 78، كمراجع في أحد الفروع ببورسعيد، لكنه لم يلبث أن اكتشف وجود اختلاسات من جانب بعض الموظفين الذين سرقوا التبرعات القادمة إلى البنك لصالح معهدي الأورام والكلى، بجانب حسابات أخرى عديدة للعملاء، فضلا عن عمولات وأمور أخرى دفعته للإبلاغ، لتبدأ التحقيقات في النيابة الإدارية ببورسعيد، وتثبت الواقعة في العام 98، وتتم مجازاة المتسببين إداريا، لكن الرجل فوجئ بمكافأة غير متوقعة على أمانته ودقته، " فوجئت بمدير الفرع، يخطرني شفاهة أنه قد صدر قرار بنقلي إلى بني سويف، و منعني من دخول البنك مرة أخرى، نفذت النقل، لكني رفعت دعوى لإلغاءه، وخلال نظر القضية فوجئت أنهم قد أنهوا خدمتي ومنعوني من دخول البنك في بني سويف، لأنني شكوت وتمسكت بحقي، أنا الذي لم تثبت ضده مخالفة أو جزاء منذ يوم التعيين، وحتى يوم الواقعة". إنهاء الخدمة جاء بناء على طلب مزور من جانب البنك يدعي أن متولي طلب إحالته على المعاش، لكن الرجل الذي اعتاد كشف الأخطاء، استطاع بسهولة أن يميز التزوير، "طعنت عليهم بالتزوير، ليثبت الطب الشرعي أنهم مزورين صلبا وتوقيعا، وأخيرا صدر حكم نهائي رقم 15327 لسنة 31 ق، متضمن إلغاء قرار إنهاء خدمتي، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلغاء القرار الصادر بنقلي مع ما يترتب من آثار، و إلزام البنك دفع مبلغ 180 ألف، والأهم اعتبار مدة خدمتي متصلة". لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فالحكم القضائي لم يكن كافيا لإصلاح ما فسد بين متولي والبنك، يقول"حاولت ان أنفذ الحكم وديا، لكني دخلت في نزاعات رسمية، فالبنك اعتبرني معين جديد، ولم ينفذ حكم اعتبار مدىة خدمتي متصلة، كما لم يعيدونني إلى الفرع الذي كنت أعمل به، وأجبروني على استلام العمل في فرع بورفؤاد، في وظيفة مغايرة لما كنت أعمل به، باختصار بروح أمضي حضور وانصراف من غير فايدة من وجودي، كأن شغلي خطر، لم يصدر قرار بإلغاء القرار السابق، ومع الوقت اكتشفت أني أعمل في فرع بورفؤاد بدون ملفات وظيفية قيل أنها اختفت". السنوات التي قضاها الرجل الذي يبلغ من العمر 56 عام، مجبرا على المعاش، لم يحاول خلالها البحث عن عمل آخر، كان محطما ومصمما في الوقت نفسه على الحصول على حقوقه في البنك الذي يحب العمل فيه، أصابه من الأضرار المادية والادبية ما كفاه، وقد جاءت عودته إلى العمل محملة بالمزيد من الغرائب:" ظللت أحصل على معاشي حتى عدت إلى العمل، لكني فوجئت أنه لم يتوقف، والأغرب أن مرتبي الأساسي في البنك الذي تعامل معي على أنك مستجد 177 جنيه، لكني افاجئ في كل شهر بمبلغ 10 آلاف وستمائة جنيه في حسابي بالإضافة إلى مبلغ المعاش والمرتب، أرسلت إنذار رسمي لوزارة التأمينات، طلبت فيه وقف المعاش، فلا الوزرة استجابت، ولا البنك استجاب، حاولت أحصل على مفردات مرتب ، أعرف ال10 آلاف جنيه دول إيه، قالولي مفيش مفردات مرتب، طيب أنا لو سرقت البنك إيه يثبت إني موظف، وإيه يثبت حقي في البنك، الحضور والانصراف؟!". لم يان الرجل جهد، فما بين المحاكم، وديوان المظالم، اكتشف مخالفة جديدة، وتسائل: الخط الساخن بتاع ديوان المظالم دا، بيستنزف أموال الشعب، تتصل يديك موسيقى، الفلوس بتاعة مدة الانتظاردي بتروح فين؟ ومحلها إيه من الإعراب؟ واللوا اللي رد عليا في الديوان وقالي المسئولين هايتصلوا بيك نسيني ليه؟ ليه رد الفعل الوحيد اللي بلاقيه حاضر جملة "ماتعملش كدا تاني"اللي بسمعها من موظفين أكبر مني لو شافوني بتصل ببرنامج أو بخاطب مسئول؟!".