قبل شروق الشمس، خرج هؤلاء «المظاليم» من منازلهم، للحاق بالصفوف الأمامية فى طوابير «ديوان المظالم» التى تمتد لمسافات طويلة أمام البوابات الجانبية لقصر الرئاسة. هذه المنطقة التى كانت أحلامهم تتوقف عند مجرد العبور من أمامها فقط، دون أن تتبعهم عيون الحرس والأسلحة المشرعة لضرب النار، ها هم جاءوا إليها حاملين شكاواهم، بحثا عن الإنصاف المفقود. مئات المواطنين يقفون على أسوار القصر، بعضهم يمسك بوابته بيديه خوفا من أن يحتل أحد مكانه فلا يستطيع سماع اسمه، والبعض الآخر افترش الأرض بعد أن تناول وجبة الإفطار من عربية فول «أبوالشباب» الذى وجد رزقه فى جيوب هؤلاء الفقراء. «فايزة» تستنجد بالرئيس لطرد آخر ساكنة من منزلها الآيل للسقوط صاحبة المنزل: «الرئيس زى ابنى.. وما يرضاش لأمه بيتها يقع والحكومة تحبسها بتهمة الإهمال» «أمتلك منزلا مكونا من 3 طوابق يحتوى على 12شقة، فى رقم 76 شارع «وابور المياه» بحى الزيتون، المنزل آيل للسقوط، ودفعت مبالغ مالية كبيرة لسكانه مقابل إخلائه، بالإضافة إلى 25 ألف جنيه قيمة رخصة الهدم التى استصدرتها من الحى».. هكذا تحكى فايزة محمود (78عاما) عن «مظلمتها» التى جاءت بها إلى هنا. تتوقف «فايزة» قليلا عن الحديث لتلتقط أنفاسها، ثم تعاود الكلام بصوت عالٍ: «بتوع الحى عاوزين منى فلوس رشوة علشان ييجوا يهدوا البيت، وأنا ما عدتش معايا حاجة أدفعها»! لذلك قررت صاحبة المنزل المجىء إلى قصر الرئاسة بالقبة، من أجل «مقابلة» الرئيس محمد مرسى لكى يساعدها فى إخراج الساكنة الوحيدة الباقية والتى ترفض ترك البيت، لأن الرئيس زى ابنى وما يرضاش لأمه بيتها يقع، والحكومة تحبسها بتهمة الإهمال. «فاطمة» باعت البيت لإخراج ابنها من السجن.. و«رفيقتها» تطلب عملا لشقيقها الخارج منه! «شادية»: «أكيد الريس الطيب مش هيغلب فى وظيفه لأخويا تحافظ على بيته وتكفينا شر السؤال» هما يتلازمان فى كل شىء، بداية من الخروج من المنزل صباحا من مركز «الصف» بالجيزة للتوجه إلى «ديوان المظالم» الذى أصبح بالنسبة له مزارا يوميا، وحتى الانصراف منه مساء. وهما أيضا يتشابهان فى كل شىء، فالنقاب الذى يغطى وجهيهما يكاد تتقارب ألوانه إلى حد كبير، ولعل وجه الشبه الأكبر بينهما أن شكوى كل منهما متشابهتان. فاطمة أحمد محمد (55 عاما)، جاءت لتتقدم بشكوى إلى الرئيس من أجل الإفراج عن ابنها أحمد محمد سويلم، عائلها الوحيد، المحكوم عليه ب7 سنوات سجنا فى قضية اتجار فى المخدرات، وهى «قضية ملفقة»، على حد وصفها. تفيض عيناها بالدموع وهى تقسم بأنها اضطرت لبيع منزلها من أجل توكيل محام لنقض الحكم، لكن الطعن بالنقض قوبل بالرفض من قبل هيئة المحكمة، لذلك فقد قررت عدم الانصراف من أمام القصر إلا بعد الإفراج عن ابنها. أما صديقتها شادية سليمان عبدالفتاح، فجاءت تبحث عن وظيفة لشقيقها الذى قضى 7 سنوات فى السجن بتهمة الاتجار فى المخدرات أيضا، وخرج بعدها من السجن وهو يعانى من مرض الربو وأمراض أخرى، على الرغم من أن عمره لا يزيد على 30 سنة، ويعول أسرة مكونة من زوجته وطفليه، و«أكيد الريس الطيب مش هيغلب فى وظيفة لأخويا تحافظ على بيته وتكفينا شر السؤال». شكوى كيدية ضيّعت مستقبل «علوانى».. فقرر «الاستموات على حقه» أمام الرئاسة مأذون بحكم محكمة مع إيقاف التنفيذ بسبب اتهامه باعتناق «المذهب المالكى» أثناء دراسته الثانوية «والله العظيم يا بيه أنا المأذون الشرعى لقرية أبوتشاية مركز السادات منوفية».. بهذه الكلمات يعلو صوت علوانى إبراهيم توفيق، الذى يرفض الانصياع لطلب من حوله بالتزام الهدوء. «أنا معايا الحق وحكم محكمة كمان»، يعلو صوت «علوانى» مجددا، ليؤكد أن شكواه تعود إلى عام مضى، عندما توفى مأذون القرية وتم فتح باب التقدم أمام أبنائها لشغل الوظيفة، فتقدم مع غيره للوظيفة الخالية. وفى يوم إعلان النتيجة، أخبرهم قاضى المحكمة المختصة بأن جميع المتقدمين للوظيفة متساوون؛ لذلك قرر اللجوء إلى «القرعة» بعد الحصول على موافقتهم، وفاز هو بالقرعة، وطلب منه القاضى تجهيز أوراقه لاستلام العمل؛ لكنه فوجئ بعدها بشكوى «كيدية» من أحد منافسيه يتهمه فيها بأنه كان من معتنقى «المذهب المالكى» أثناء دراسته الثانوية، فقرر القاضى منعه من تولى الوظيفة. لجأ «علوانى» إلى المحكمة مجددا، واستطاع الحصول على قرار من هيئة المفوضين بأحقيته فى تولى الوظيفة. وعلى الرغم من ذلك فشل فى شغلها حتى الآن، لذلك قرر «الاستموات على حقه» أمام ديوان المظالم لحين الحصول عليه «وإلا ما كناش عملنا الثورة». سنة سجناً ل«محمد» بلديات الرئيس.. اقترض 41 ألف جنيه وطلبوا منه سداد 96 ألفاً! قرر الوقوف على باب «مرسى» لحين تدخله فى حل مشكلته مهما كلفه ذلك؛ لأن «قصته أقرب للخيال» قرر «محمد محمود محمد شاهين»، أحد أبناء مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية، بلديات الرئيس، الوقوف على بابه لحين تدخله فى حل مشكلته، مهما كلفه ذلك؛ لأن «قصته أقرب للخيال». ولكن ما مشكلة «محمد» بالضبط؟ منذ عدة سنوات، اقترض «محمد» 41 ألف جنيه من أحد البنوك، وتمكن من سداد الأقساط فى موعدها دون تعثر، لكنه بعد أيام من آخر قسط، فوجئ بقرار من المحكمة يلزمه بدفع 96 ألف جنيه قيمة «رسوم وخروقات»، ولم يستطع دفع المبلغ؛ «لأن كده ما يرضيش ربنا»، فحُكم عليه بالسجن سنة، مع إلزامه بدفع المبلغ كاملاً. ويعلو صوت «محمد» أثناء دعائه: «الله يخرب بيت كل من يشارك فى ظلم الناس مقابل مصالح شخصية»، متهماً بعض العاملين فى البنك بتدبير مكائد للعملاء للإيقاع بهم. «ملاك الرحمة» البائس بلا وظيفة.. وعندها 3 أطفال وزوج أقعده المرض عن العمل «شيرين»: «أنا جاية عند الريس علشان يساعدنى وآخد حقى.. لأنى انتخبته وأنا من رعاياه» شكواها مكتوبة على ورقة بيضاء داخل مظروف بريد، ومعرفة فحوى الشكوى أمر لا يحتاج إلى عناء، فعلامات وجهها تشير إلى أن حالتها أصبحت ميئوساً منها، وأنها تعانى من «مصائب» كثيرة تتطلب التدخل الفورى. «شيرين محمد»، ممرضة متزوجة من رجل مريض لا يقوى على العمل وليس له دخل، مما اضطرها للاقتراض من أجل الوفاء بتكاليف علاجه، وإعالة أطفالهما الثلاثة. وبعد أن كان راتبها يعينها على قضاء الشهر و«ستر بيتها»، تزداد معاناتها الآن، خاصة أن الشقة التى تقيم فيها مع أسرتها «إيجار جديد»، كما تؤكد قائلة: «يعنى أكل وشرب وإيجار وعلاج وما فيش مرتب، يبقى نروح فين؟». تحكى «شيرين» قصتها وتسرع بالانصراف: «لأنى مش عاوزة حد يصعب عليا، وأنا جاية عند الريس علشان يساعدنى وآخد حقى لأنى انتخبته، وأنا من رعاياه». «محمد» ضيّع «تحويشة العمر» على سيارة لا تسير.. والمحكمة ألزمته بدفع 1000 جنيه غرامة شكوى إلى الرئيس من شاب عمره 37 عاما: «أنا مش شغال ومعنديش شقة ولا متجوز» محمد صلاح إسماعيل (37 عاما)، حاصل على «دبلوم صنايع» عام 1994، وهو يقول: «أنا مش شغال، ومعنديش شقة، ولا متجوز». ويضيف: «أنا برضه سواق وأحمل رخصة قيادة مهنية من 15 سنة، واستطعت تجميع تحويشة العمر ثمنا لسيارة، فقررت أركب ملاكى وأشغلها مشاوير علشان أشترى دماغى من وش المرور». ولكن قلة العمل دفعت «محمد» إلى بيع السيارة الملاكى وشراء أجرة، ولكنه فوجئ بعد شرائها بوجود عيوب فيها تعوقها عن السير، فعاد إلى الشركة التى اشتراها منها وطلب تغييرها، ولكن المسئولين فيها تنكروا له وأجبروه على الانصراف شبه مطرود. توجه صاحبنا إلى المحكمة، وأقام دعوى قضائية ضد الشركة طالبه فيها باستبدال السيارة، وبالفعل قضت المحكمة بإلزام الشركة بمنحه سيارة أخرى خالية من العيوب، ولكنه فوجئ أثناء مرحلة النقض برفض الدعوى وإلغاء الحكم الصادر لمصلحته، وتغريمه 1000 جنيه، يعنى «موت وخراب ديار»، على حد شكواه. وكيل وزارة التعليم بالشرقية أجهض حلم «محمد» فى الوظيفة بعد 6 سنوات من التخرج عقد العزم على عدم الرحيل حتى تنفيذ تأشيرة المحافظ بتعيينه رغم أنف وكيل الوزارة.. والوزارة نفسها! أدى تعنت وكيل أول وزارة التربية والتعليم بالشرقية مع «محمد السيد العربى» إلى عدم تنفيذ تأشيرة المحافظ بتعيينه فى وظيفة مدرس تربية رياضية فى إحدى مدارس المحافظة، على الرغم من حصوله على بكالوريوس التربية منذ 6 سنوات بتقدير عام جيد جدا. يصمت «محمد» قليلا، ثم يعاود الشكوى من «عمره الذى سرقه دون أن يفعل أى شىء»، فهو غير متزوج ولا يمتلك شقة، وحتى الوظيفة التى كانت بمثابة الحلم بالنسبة له أضاعها وكيل الوزارة المتعنت! لذلك فقد عقد «محمد» العزم على عدم الرحيل من هنا حتى التوصل إلى حل لمشكلته، وتنفيذ تأشيرة المحافظ بتعيينه فورا، رغم أنف وكيل الوزارة، والوزارة نفسها! «عماد» مبعوث مهندسى مديرية زراعة بالفيوم زملاؤه أصبحوا مديرين.. وهو ما زال «مؤقتا» 61 مهندساً زراعياً مهددون بالفصل من وظائفهم بعد 10 سنوات من العمل عماد محمد حسين، مهندس زراعى، جاء من الفيوم لتقديم شكواه ومعه 60 من زملائه المهندسين الزراعيين العاملين بعقود مؤقتة فى مديرية الزراعة بالفيوم، منذ أكثر من 10 سنوات، فى حين أن آخرين من نفس الدفعة أصبحوا الآن على درجة «مدير»، فقط لأنهم محظوظون! وعلى الرغم من حصولهم على وعود من كبار المسئولين بالتعيين فور انتهائهم من العمل فى المشروع المكلفين به، إلا أن ذلك لم يحدث، مع أنهم انتهوا من المشروع منذ مدة، ويرفضون العمل كمؤقتين إلى ما لا نهاية. ولم يعد أمام هؤلاء المهندسين سوى أيام قليلة وسوف يتم طردهم من وظائفهم التى قضوا بها 10 سنوات، كان الواحد منهم خلالها يحصل على راتب شهرى لا يتجاوز 210 جنيهات فقط. «شعبان» سائق النقل الذى خرج «يسترزق».. فاحتُجزت سيارته فى قسم شرطة ديروط السائق المتهم بسرقة مواسير من شركة حكومية: «والله أنا كنت طالع آكل عيش ومعرفش إنها مسروقة» «والله أنا كنت طالع أكل عيش ومعرفش إن المواسير دى مسروقة، واتفاجئت بكمين الشرطة اللى قبض علىّ».. هكذا يقول شعبان محمد على، سائق النقل الذى تم اقتياده إلى قسم الشرطة، بعد العثور على مسروقات بحوزته فى أحد الكمائن، وتوجيه تهمة سرقة مواسير من شركة حكومية له. وعلى الرغم من محاولاته الدفاع عن نفسه بأنه لم يكن يعرف أن هذه المواسير مسروقة، وأنه مجرد ناقل لها، إلا أن محاولاته هذه باءت بالفشل، بسبب وجود بلاغ رسمى بسرقتها قدمه مسئولو الشركة إلى الشرطة، وتم إخلاء سبيله على ذمة التحقيق، ولكن سيارته ما زالت محجوزة حتى الآن داخل قسم شرطة ديروط بمحافظة أسيوط، على ذمة التحقيقات. موظف المطابع الأميرية المفصول من عمله لمجرد أنه «مريض بأمر الله»! مسئولو المطابع فصلوه بعد أن سقط مغشيا عليه أثناء الوردية.. ثم اكتشف أنه مريض ب«اللوكيميا» محمود محمد عبدالنعيم، 23 سنة، موظف بالمطابع الأميرية، لا يملك مصدر دخل يعيش منه هو وأسرته غير وظيفته. وفى أحد الأيام، أثناء وجوده فى وردية العمل فقد الوعى فجأة وقام زملاؤه بنقله إلى مستشفى التأمين التابع لها، حيث اكتشف إصابته بمرض «اللوكيما». أيام قليلة، وفوجئ برؤسائه فى العمل يبعثون إليه بقرار فصله، ويخبرونه فيه بعدم الحضور مرة أخرى إلى مقر المطابع؛ لذلك فهو يحلم بمقابلة الرئيس محمد مرسى، لأنه «لم يرتكب إثماً، هو فقط مريض بأمر الله»، على حد وصفه.