إذا كان فن الكلام أصلاً لحُسن إدارة الإنسان لحياته، وإذا كانت نسبة كبيرة من كلامنا مع بعض الآن على التليفون، فالواجب علينا الحرص على تعلم الآداب الأولية للمكالمات التليفونية، نتعلمها ونعلمها لأبنائنا حتى يأتى يوم ينعم الله علينا فيه لنجد التعليم الأولى وقد أصبح مرتبطاً بالواقع وبفن الحياة، ذلك أن نشأة أجيال لا تتعلم بديهيات فن الحياة، تنتج لنا ما نراه الآن حولنا وفى كل مكان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وعذراً أيها القارئ الكريم إذا وجدت أن بعض هذه الآداب بديهية ولا تستحق الذكر، ولكننا تعلمنا فى بلادنا أن أغلب الأمور البديهية.. ليست بديهية! فمثلاً: هناك من يتصل بك وأنت لا تعلم من هو، لم تسجل رقمه ولا تعرف صوته، وهو مُصَمم يختبر ذكاءك ومقدار غلاوته على قلبك، ويسألك «أنا ميييييين؟ والله ما أنا قايل.. لما أشوف بقى حاتعرفنى لوحدك ولا لأ»! وأنت تحاول جاهداً أن تتذكر، وهو على إصراره فى امتحان ذاكرتك، ولكنه لا يعلم أنه أيضاً بذلك يمتحن صبرك.. بل وقد يقرر أن يعطيك وسيلة مساعدة، فيقول: «طب أسهلها شوية؟.. هه، كلية التجارة»، فعندما يجد أن هذه الوسيلة لم تكن كافية، يقرر أن يكون أكثر كرماً فيقول: «جامعة عين شمس.. والله ما أنا قايل أكثر من كده»، ولأن كلية التجارة جامعة عين شمس مر بها عشرات الآلاف من البشر على مدى تاريخها، فطبيعى ألا تستطيع التعرف على سيادته من بينهم، ولعلك تقول له: «يا سيدى أرجوك قول إنت مين، أنا مشغول والله»، فلا يتركك حتى تنهار أو تغلق الخط! إذن، البديهية الأولى: لا تمتحن ذاكرة الناس فى التليفون، فالطبيعى أنك تبدأ أى مكالمة بالتحية، ولكن إذا كان الطرف الآخر لا يعرف الرقم ولا يميز صوتك، فإنك تقوم فوراً بتعريف نفسك أولاً وقبل أى كلام. قد تسأل نفسك: «لماذا يفعل ذلك؟ وكيف يفكر؟».. فهو لا يقف على باب البيت ليستمر فى الطرق على بابه حتى يُفتح له، وإن كان يستحب أن نطرق الأبواب لثلاث مرات على الأكثر، فإن لم يُفتح لنا، فما علينا إلا الانصراف دون أن نشعر فى قلوبنا بأى حرج، فضلاً عن أن التليفون سيُظهر عدد الاتصالات التى فاتتنى وسيظهر أيضاً رقم المتصل وحتى اسمه إذا كان مُسجلاً عندى.. فلماذا يفعل البعض ذلك؟ إذن، البديهية الثانية: لا تعِد الطلب كثيراً فى وقت قليل، وإذا كان فى حياتك من يفعل ذلك، فحاول أن توضح له بكل أدب أنه لا داعى لكل تلك الاتصالات طالماً أن التليفون يسجل الأرقام التى حاولت الاتصال، ولو لمرة واحدة! قد نبدأ مكالمة تليفونية فنجد أن صوت الطرف الآخر يعكس حالة مُعَينة، فهناك من يبدأ المكالمة بصوت عالٍ وعبارات ترحيب كثيرة أو بأسلوب فكاهى، وعلى النقيض، قد يبادرك الطرف الآخر فى بداية المكالمة بصوت منخفض أو بطريقة فى الكلام قد تشعر بها أن المتحدث مريض أو يواجه مشكلة ما.. ولكن المشكلة هنا أن الناس لا يروننا ونحن نتحدث معهم فى التليفون، لذلك قد يُكونون صورة غير صحيحة عن حالتنا بناء على درجة الصوت وطريقتنا فى بداية المكالمة.. ولأننا نحن أيضاً فى بداية المكالمة لا نرى حال من نتكلم معهم ولا الظروف المحيطة بهم، فعلينا ألا نبدأ المكالمة بأسلوب غير عادى حتى نتعرف على حال وظروف الطرف الآخر، فقد أبالغ فى الترحيب والهزار بينما هو مثلاً فى واجب عزاء! إذن البديهية الثالثة: ابدأ المكالمة دون مبالغة فى الهدوء أو الانفعال، حتى تتعرف على أحوال الطرف الآخر.. أهل فن الكلام يقولون فى هذه الجزئية: «تبدأ كلاسيك»! «وللحديث بقية إن شاء الله».