سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«شباب ضد الاستيطان» عنوان الصمود والتحدى فى «مدينة الأشباح» الفلسطينيون يعيشون داخل «قفص حديدى» وسط المستوطنين.. و«هناء» رفضت 33 مليون دولار لترك منزلها
هناك، أعلى تبة رملية تصل إلى نحو 20 مترا، نُزع عنها طريق سُلُمى عن عمد، يبدأ الصعود لاكتشاف المعاناة فى منطقة «تل الرميدة» بالخليل. 20 فردا يحمل كل منهم قطعة من «جهاز» عروس، تتصاعد صدورهم بفعل الإرهاق؛ فالمكان لا تدخله السيارات، تتساقط قطرات العرق بغزارة من صبى يرفع أسطوانة بوتاجاز، تحاول عجوز التقاط أنفاسها بالكاد، تقبض شابة على يد خطيبها فى رجاء؛ لكى ينتظرها. سجن كبير، هو ما يحيط بالمنطقة الأقدم بالخليل، يحاول المحتل زرع اليأس فى النفوس، مرة بالتضييقات الأمنية والسُخف على السكان، ومرات بإغراءات مالية لا تنقطع، لكن شبابا يافعا كان هناك يتصدى للطغيان الصهيونى بالصمود والتحدى ضد الاستيطان. منزل صغير مكون من غرفتين صغيرتين ومطبخ، وغرفة محصنة ضد الرصاص، دعمتها مؤسسة حقوقية فرنسية قبل عامين، كان ملكا لعائلة «السياج» التى تمتلك هوية إسرائيلية، قبل أن تستغله قوات الاحتلال كثكنة عسكرية فى الفترة ما بين عامى 2000 و2006، فيما كانت عين «عيسى عمرو» ترقب المكان، وما إن تركت قوات الاحتلال المنزل المحاط بأسلاك شائكة حتى استقر بالقرب منه، 3 أشهر كاملة ينام الشاب العشرينى فى العراء برفقة بعض النشطاء الفلسطينيين، حتى كان لهم ما أرادوا، فى البداية قاوموا اعتداءات المستوطنين المستمرة، قبل أن يتمكن «عيسى» من إبرام عقد مع أصحاب المنزل، ليبدأ نواة مركز «الصمود والتحدى.. شباب ضد الاستيطان». «نواجه شبح مدينة الأشباح» عبارة مكتوبة على المبنى توضح الغرض الأساسى للمركز من خلال مجابهة الاستيطان وتهجير السكان الأصليين ل«تل الرميدة»، 145 بيتا تم تهجير أهلها قسرا، فيما لا تزال عملية اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم مستمرة، حسب «بديع دويك» نائب منسق المركز، غير أن هناك بطولات يتباهى بها سكان المدينة.. داخل مستوطنة «رامات بشاى» تجلس «هناء أبوهيكل» وسط الصهاينة لا تأبه بصلفهم، يحاولون غير مرة إرهابها، حرقوا لها 5 سيارات، اعتقلوها مرتين، لكنها أقوى من الرضوخ لهم، قبل سنوات كانت سيارة «فان» تحمل 33 مليون دولار تقف على عتبات منزلها، يهبط منها «ميسكوفيتش» الملياردير الأمريكى، الممول الرئيسى للاستيطان، وبرفقته «باروخ مارزا» اليمينى المتطرف، قررا التفاوض فلقنتهما درسا لن ينسياه، حين خرجا بأموالهما منكسى الرأس، دون أن يهتز للمرأة المناضلة جفن. وفى قصص الخيال فقط، قد تجد قصة لشخص مثل الحاج «سمير أبوعيشة»، لكنه لحم ودم يجسد بطولة لأهل «تل الرميدة»، يناهض الاحتلال حتى آخر نفس، يعيش داخل سياج حديدى، لذا يسمى منزله «البيت القفص»، كمواطن فلسطينى هو الوحيد داخل مستوطنة إسرائيلية، رغم كل الإغراءات رفض طلباتهم بالمغادرة، أحكموا عليه الحصار ف«أبناؤه لا يستطيعون الدخول إليه إلا بتصريح.. أما نحن فندخل إليه متسللين» يقولها أحد أعضاء المركز بفخر. 45 ناشطا هم القوام الأساسى للمركز، لا تتجاوز أعمار معظمهم 25 سنة، يقسّمون الأدوار بين فتيات تعلم الأمهات اللغة «العبرانية» واللغة الإنجليزية حتى يتسنى لهن التعامل مع جنود الاحتلال، كذلك توعيتهن بخطورة الاستيطان وكيفية مجابهته وزرع المقاومة فى نفوس أطفالهن للإيمان بالقضية، فيما يقوم نحو خمسة شباب بإعطاء دورات تدريبية فى فنون التصوير والمونتاج لنشر الفعاليات على مواقع التواصل الاجتماعى، حتى يتمكن أهل «تل الرميدة» من نشر فكرة الصمود ضد الاحتلال والاستيطان وترويج حق الفلسطينيين فى أرضهم عالميا. وللمركز نشاطات ثابتة على رأسها «الحملة الدولية لإعادة فتح شارع الشهداء».. ومسيرات تقام فى يوم 25/2 «ذكرى مذبحة الحرم الإبراهيمى»، يحضرها نحو 10 آلاف شخص بين فلسطينى وبعض اليهود المتضامنين. معاناة أهل «تل الرميدة» لا تنتهى، بدءا من استحالة دخول طبيب أو سيارة إسعاف إلا بالتنسيق بين الصليب الأحمر والإسرائيليين، وليس انتهاءً باعتداءات المستوطنين المستمرة، لذلك ليس غريبا أن تروى فتاة عشرينية ضمن أعضاء الحملة عن حالات عدة توفيت على أثر «جلطة» أو مرض فجائى أودى بحياتهم لبطء دخول الإسعاف وسط تعسفات الحواجز الإسرائيلية، كتلك المرأة الأربعينية التى وافتها المنية «مصابة بالسرطان» بسبب عدم سماح الجنود على الحاجز للمريضة وأهلها بالعبور للحصول على جرعة الكيماوى. وفى عام 2009، وخلال زيارة لمجموعة من محاربى الفصل العنصرى بجنوب أفريقيا قالوا إن «إسرائيل تقوم ضدكم بما هو أسوأ مما عانيناه فى بلادنا سنوات»، ويحاول أعضاء مركز «الصمود والتحدى» خلق حالة عالمية لكشف أكاذيب المحتل، من خلال أفكار مبتكرة كان آخرها دعوة السياح إلى الإقامة فى بيوت أهل «تل الرميدة» بدلا من الفنادق، للتعرف على معاناتهم عن قرب وكذلك تحسين الحالة الاقتصادية للسكان وإعانتهم على الصمود فى وجه المستوطنين.