هادئا ومتدينا وصبورا ومتفائلا.. هكذا بدا الدكتور عمر محمد سالم، وزير شئون مجلسى الشعب والشورى، فى أول أيام عمله فى منصبه الجديد، وقف وسط العمال والموظفين لأداء صلاة الظهر على سلالم المبنى، وبرر قبوله الوزارة بأنه لا يرد سائلا.. جاء يحمل حقيبة وزارية محملة بأزمة كبيرة بين الحكومة والبرلمان، وفى وقت عصيب به العديد من الملفات الحيوية مثل تشكيل الجمعية التأسيسية، * سألناه فى البداية.. لماذا قبل الدكتور عمر سالم هذا المنصب فيما اعتذر عنه العديد من الشخصيات؟ - ضحك.. وقال: «ثقافتى وتركيبتى تجعلنى لا أرد سائلا سواء كان هذا السائل يريد مصلحة منى أو يريدنى أتولى هذا المنصب.. والجميع يعلم أنى لست من عشاق المناصب، ولست من طارقى أبواب أولى الأمر.. أنا رجل هادى وأهم شىء عندى علاقتى بزملائى من أساتذة الجامعة وطلابى.. وقد يتعجب البعض أنى سألت نفسى لماذا تم اختيارى بالتحديد؟ ولم أجد إجابة.. ولكننى تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يزرعها فليزرعها». * ولكن هناك من يرى أن الدكتور كمال الجنزورى اختارك لقربك من التيار الإسلامى.. وهو ما يسهم فى حل الأزمة التى نشبت بين الحكومة ونواب حزب الحرية والعدالة؟ - أنا رجل أصلى وأصوم مثل باقى المصريين.. وفيه ناس أيضا تحسبنى من الفلول، ولكن سيرتى الذاتية معروفة.. أنا متدين بطبعى لأنى أنتمى إلى أسرة بسيطة.. أنا راجل فلاح صوفى، أنتمى لطريقة صوفية.. وكل هذا لا يجعلنى محسوبا على تيار أو فصيل سياسى بعينه. * هل دار حوار بينك وبين الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة، الذى كان مرشحا للمنصب واعتذر؟ - على الإطلاق.. اعتقدت أن الدكتور كبيش هو من رشحنى وقلت له ذلك فقال: «هو أنا اتجننت حتى أرشحك؟». * كيف ترى بخبرتك القانونية أداء البرلمان خلال الفترة الماضية؟ - أعضاء البرلمان هدفهم الأساسى تحقيق مصلحة مصر، وأحيانا يكون فيه نوع من التسرع لاستخدام الأدوات لتحقيق هذه الهدف، وهو ما فسره البعض بالابتعاد عن المصلحة العامة، وهذا رأى مغالى فيه لأن هذا البرلمان جاء بعد ثورة حقيقية وفى إطار انتخابات نزيهة. * وبم تفسر النزاعات بين التيارات السياسية تحت قبة البرلمان؟ - كل من جاء إلى هذا المكان، يبتغى مصلحة مصر ويضعها أمام عينه، ومثلهم فى قول الله تعالى: «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا»، كل تيار له أدواته التى يريد أن يصل بها إلى الوضع الذى يظن أن فيه المصلحة العليا، وهنا الإشكالية فى اختلاف الأدوات، وهو الشىء الطبيعى، ونتاج الديمقراطية. فما كان يحدث من قبل من موافقة بالإجماع دون اعتراض كان هو العارض.. أما الآن، نحن نعيش مناخ صحى، لأن الاختلاف يعنى المشاركة الفعالة لجميع التيارات السياسية. * كيف ترى مهمتك فى الفترة القادمة؟ - الجميع يتحدث عن مهمة صعبة، وعن ميراث أزمة، وأنا شخصيا لا أعتقد أن هناك أزمة كما يقال بين الحكومة والبرلمان، لأن ما حدث أن الطرفين يسعيان وفقا لمنظور كل واحد منهما لتحقيق المصلحة العامة، وقد تأخذ الحمية كل طرف فى الدفاع عما يبتغيه، وقد يكون هناك شطط من هذه الجهة أو تلك، ولو وضعت هذه الحمية وهذا الشطط فى سياقه السليم وهو الرغبة فى تحقيق مصلحة مصر، يتعين علينا أن نقبل بكل ذلك ونعتبره من قبيل الظواهر الطبيعية والصحية. * كيف ستسهم فى نزع فتيل الأزمة بين البرلمان والحكومة؟ - إن ثبت أن هناك أزمة أسأل الله أن أوفق لمد جسور الود من جديد ونحقق ما نصبو اليه. * وما صيغة الاتفاق الأمثل للتقريب بين الدكتور كمال الجنزورى رئيس الحكومة والبرلمان؟ - بحكم دورى كوزير لمجلسى الشعب والشورى، لا بد أن أستمع وأكون حلقة وصل بين الطرفين، وإذا رأيت مشكلة من طرف أو آخر علىّ أن أسعى لحلها ولا يمكن الوصول لذلك إلا بالاستماع الجيد، وأنا أحب أن أردد مقولة جميلة لشيخنا محمد متولى الشعراوى: «اللهم كما جعلت صمتى فكرا فاجعل نطقى ذكرا». * كيف ستواجه التنوع الموجود بالبرلمان فى التيارات السياسية؟ - نستند إلى مسألة دينية من حديث رسول الله وهى: «خاطبوا الناس على قدر عقولهم»، المسألة ليست جهلا وعلما وإنما مسألة اختلاف أدوات واختلاف مناهج ولكن الغاية واحدة، وأسأل الله أن يقدرنى أن أتكلم مع الجميع وأستوعب مناهج الجميع على النحو الذى يوصلنا لهذه الغاية. * البعض يرى أن المستشار محمد عطية وزير مجلسى الشعب والشورى السابق كان سببا فى زيادة الفجوة بين الحكومة والبرلمان؟ - يُسأل عن هذا المستشار محمد عطية. * هل ستكون ممثلا عن كل وزراء الحكومة تحت قبة البرلمان؟ - لن أعمل رسولا لكل وزير، وكل منهم يستطيع التحدث فى الجانب الفنى الخاص بوزارته. * هناك إشكالية كبرى حول المادة 28 من الإعلان الدستورى، بصفتك رجل قانون ووزيرا هل من الممكن تعديلها عن طريق مجلس الشعب كما يطالب البعض؟ - رسول الله ذكر أن المؤمنين عند شروطهم، ونحن أصدرنا إعلانا دستوريا بعد موافقة شعبية بنسبة كبيرة على التعديلات الدستورية، ومن وجهة نظرى الرجوع فى هذه المادة الآن خروج على المبدأ الذى سنه الرسول، لكن إذا اتضح فى لحظة من اللحظات أننا لن نستطيع أن نستمر إلا بتعديل فى هذه المادة تُعدَّل، وهذا طبعا يحتاج إلى أغلبية خاصة وشروط خاصة جدا وهو أمر صعب، ويتعين علينا الإبقاء على كل هذه المواد لأن الشعب استُفتى عليها ووافق عليها بأغلبية كبيرة، وبالرجوع عنها سيُفتح الباب لوضع مواد «تفصيل»، وبالتالى الرجوع للنظام القديم. * هذه المادة أدت إلى حدوث فتن فى المجتمع وخاصة بعد استبعاد المرشحين حازم صلاح أبوإسماعيل وخيرت الشاطر، والبعض رأى أن الاستبعاد غير قانونى وأن اللجنة استندت على حصانتها فى تلك المادة؟ - يتعين علينا أن نفرق بين أمرين، الأول هو الحق فى التقدم للترشيح، والثانى هو توافر شروط الترشيح القانونية، والكل ترشح، وأتى بعد ذلك دور اللجنة، التى رأت أن هناك شروطا معينة لا تتوافر لترشيح هؤلاء ولذلك تم الاستبعاد وأنا لا أرى أن هناك غضاضة فى ذلك على الإطلاق. * البعض يرى أن الحصانة التى تعطيها المادة 28 للجنة المشرفة على الانتخابات هى مدخل لتزوير الانتخابات، كيف ترى ذلك؟ - أنا لست من المتشائمين، وإن حدث تزوير كما يقال لدينا النصوص القانونية التى تعاقب على ذلك، ولا أعتقد أن مسألة تحصين قرارات اللجنة ستتخذ ذريعة للوصول إلى هذا الطريق غير المشروط. ومسألة تحصين قرارات اللجنة الهدف منه الإسراع فى العملية الانتخابية حتى تستقر الأوضاع، فيما إذا فتحنا باب الطعن فى القرارات التى تصدرها اللجنة سنلف فى حلقة مفرغة لا نعلم متى ستنتهى. * كيف ترى التشكيل الأمثل للجمعية فى ضوء الأزمة التى صاحبتها؟ - هناك عرف دستورى مستقر، أنها لا بد أن تمثل كل الأطياف، لا يمكن أبدا أن تنفرد طائفة دون طائفة فى وضع مبادئ الدستور. * إذن أنت مع الاتجاه الذى يرى أن هناك سطوة من الأغلبية على الجمعية التأسيسية؟ - الألفاظ لها دلالتها إما دلالة منطوق أو مضمون، وأنا عندما أقول إن الجمعية التأسيسية لا بد أن تشكل من كل الأطراف.. فسروها كما تشاءون. * هل ترى تمثيل الجمعية من خارج البرلمان فقط أم من خارج وداخل البرلمان؟ - الإشكالية أن كل اتجاه له حججه وبراهينه ولا أستطيع أن أرفضها كلها.. فالأغلبية فى البرلمان ستقول إنها أغلبية ومعنى ذلك أنها تمثل غالبية أطياف الشعب، اتجاه مقبول وكلام مقبول، بمعنى أن الأغلبية لما تنفرد بالجمعية معها ما يساندها. والاتجاه الثانى يقول مسألة انتخاب أعضاء مجلس الشعب هذا أمر واختيار أعضاء جمعية تأسيسية تقوم بوضع الأساس الحاكم لكل شىء فى مصر، هذا أمر أمر آخر. ولكن الفلسفة التى وصلت بالأغلبية الموجودة إلى مجلس الشعب غير فلسفة اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لأن ثقافتنا فى اختيار عضو مجلس الشعب اختيار الرجل الذى أرى أنه يحقق مصلحتى أو على نطاق أوسع مصلحة الدائرة، ولكن عندما نتحدث عن الدستور يكون الحديث عن البناء الأساسى الذى سيحكم كل شىء فى البلد، ولا بد أن يكون المنهج والأسلوب الذى يستخدم لاختيار عضو الجمعية التأسيسية أمرا آخر. * هناك من يطالب بأن تكون النسبة الأكبر لأساتذة الجامعات خاصة أساتذة القانون؟ - يجب أن نفرق بين أمرين، الأول أن الجمعية التأسيسية تضع المبادئ العامة، الفكر العام، المضمون العام، والجمعية يتعين أن تمثل جميع فئات الشعب المصرى، حتى تجمع الأفكار التى يتحدث عنها هؤلاء، وذلك يحتاج إلى لجنة خبراء لأن أساتذة الجامعة ليسوا هم المصريين فقط، ولو أننا جئنا بالأغلبية من أساتذة الجامعة سنعود مرة أخرى لنفس منطق الاستحواذ، دور أساتذة الجامعة أو المستشارين أو القانونيين يتمثل فى أعمال خبرة بمعنى أنه يصوغ الأفكار التى اتفقت عليها هذه الجمعية، وطبيعى أن يكون هناك ممثل للرياضيين ولذوى الاحتياجات الخاصة وللفلاح البسيط ولكل الفئات. * هل فى أول لقاء لك بالدكتور الكتاتنى تطرقتم للدستور؟ - على الإطلاق، الراجل قابلنى بود شديد ورحب بى وتمنى لى التوفيق وأن يكون التعامل معه مثمرا فى عملى باعتبارى همزة الوصل بين الحكومة والبرلمان. * هل دار بينك وبين الدكتور الجنزورى حديث عن بعض آليات إصلاح العلاقة بين البرلمان والحكومة؟ - عندما قابلته قبل إلقاء القسم، أكد لى أنه يترك حرية اختيار المنهج الذى سأتعامل به فى عملى، واليوم فى التليفون قال لى: «أوعى تنسى أول حاجة تعملها تروح تسلم على الدكتور سعد قلت له هذا فى اعتبارى طبعا». * ما رؤيتك لصلاحيات مجلس الشعب فى الدستور الجديد؟ - أنا لا أحب أن أصادر، هناك أنظمة مختلفة بين البرلمانى والرئاسى و المختلط، لكن فى تصورى أن الأفضل هو النظام البرلمانى المتوازن بين البرلمان ورئيس الدولة بحيث لا يستطيع أن يطغى أحدهما على سلطات الآخر.