«من ترزية القوانين إلى ترزية الدساتير».. فبينما يتجه العالم نحو التطور نتجه نحن إلى سياسة «التقفيل»، فالمصرى يجيد هندمة وتقفيل أى شىء «صناديق - دساتير - قوانين - جلابيب»، وحتى صياغة الدستور فى مكتب الإرشاد ثم طرحه على الشعب فى استفتاء جديد. انتخابات الرئاسة.. منافسة على منصب غير واضح المعالم فالرئيس قادم بعد أيام والدستور سيتبعه بعد شهور، فى قضية صياغة الدستور والتى يعتبرها الليبراليون أهم من معركة الرئيس بينما يعتبرها الإخوان من المعارك الفاصلة للجماعة فبعد أن نجحوا فى عرقلة كتابة الدستور وإضاعة الوقت إلى حين انتخاب رئيس يكشف الرؤية للخطوات القادمة والتى ستحدد وقتها إذا ما جاءت النتائج مؤكدة فوز مرشحها أن تدفع بأغلبيتها نحو نظام الحكم الرئاسى، أما إذا كان رئيسا من خارجها فالطبيعى أن تتحول بوصلة الأغلبية إلى النظام البرلمانى.
قضية جديدة تترافع فيها الجماعة رغم أنها الجانى لكنها تعلم أن خسارتها ستفقدها جميع مكاسبها أو يتحول برلمانها إذا لم يحل إلى فيلم صامت.
مؤثر وليس آمرا
يرى د.نبيل أحمد حلمى أستاذ القانون الدولى العام وعميد حقوق سابقاً المشهد الحالى فى مصر من انتخابات على منصب الرئيس ودستور سيصاغ فى وجوده وجمعية تأسيسية مختلف على تشكيلها، ومن ثم ستأتى صياغة دستور جديد لمصر على رأس الأولويات حيث تأثيرها على أداء الرئيس المقبل، خاصة بعد خيبة الأمل فى اتفاق القوى السياسية على آلية محددة لاختيار الجمعية التأسيسية للدستور وهذا ما يسبب ارتباكا فى المشهد السياسى حيث يخشى كثيرون أن تتدخل سياسة وتوجه الرئيس القادم فى صياغة مشروع الدستور ولكن وفقا للإعلان الدستورى والذى ينقصه الكثير فى تحديد العلاقة بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وكذلك تحديد العلاقة بين رئيس الدولة وبين هذه السلطات، إلا أننا مضطرون إلى الأخذ ببعض بنوده إلى أن يتم إعداد الدستور الجديد خلال ستة أشهر.
أما عن تعمد تأخير الإخوان كتابة الدستور مع القوى السياسية إلى حين معرفة مصير مرشحها الرئاسى يقول حلمى: للأسف فإن الإخوان قد أساءوا فرصة وجودهم بالبرلمان كما أساءوا للجمعية التأسيسية ومن ثم تأخر الدستور إلى حين معرفة ملامح المستقبل السياسى والذى يعتمد على فوز مرشحهم وبالتالى سيكون الحديث عن نظام رئاسى فى حالة ضمان كرسى الرئيس، بينما فى حالة خسارته، فسيكون الرهان على البرلمان كسلطة تشريعية ستدخل بقوة فى تحجيم صلاحيات الرئيس، وأتوقع فى هذه الحالة ظهور خلافات ونزاعات ترمى إلى إبعاد الرئيس تماما عن عملية صياغة الدستور وتحجيم سلطاته، وماذا ترى من سلطة للرئيس القادم فى وضع الدستور؟ الرئيس القادم سيكون مؤثرا فى الدستور وليس آمرا وسيختلف التأثير باختلاف شخصية الرئيس، فمثلا أتصور أنه فى حال نجاح مرسى فسوف يدعو للانغلاق وسيتجه أكثر إلى الدولة الدينية بمفهومها الذى يتفق مع الطباع والعادات الإخوانية مما سيؤثر على الشارع وتثار الفوضى وتتعطل مسيرة الدولة والدستور.
«تعطيل مقصود»
الدساتير تصنعها الشعوب وليس البرلمانات أو الرئاسات، تأكيد آخر من النائب البرلمانى البدرى فرغلى والذى أضاف بأن تعطيل البرلمان خاصة حزب الأغلبية من الإخوان المسلمين لعمل الجمعية التأسيسية للدستور بشكل ناجح وحقيقى بعيدا عن الاستحواذ هو تعطيل مقصود حيث كان يخشى أنه حال انتخاب رئيس غير منتمٍ إلى التيار الإسلامى ستقوم لجنة صياغة الدستور بزيادة صلاحيات البرلمان فى مقابل تقليل الصلاحيات الممنوحة للرئيس القادم، فهذا هو سبب تعطيل تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور حتى يتحكموا فى النصوص الدستورية على أساس الرئيس القادم، ولكن ما لا يعرفه هؤلاء أن الدساتير تصنعها الشعوب وليس البرلمانات ولا الرئاسات، لذلك فأى دستور يخرج عن إرادة الشعب فسيسقطه ويسقط من صاغه والذى كان يتعامل مع الشعب على أنه شعب مبارك فقد انتهى هذا العصر وإذا حاول البعض التلاعب به مرة أخرى فهناك ميدان التحرير.
«غير جائز»
قانونيا يرى د.إبراهيم العنانى أستاذ القانون الدولى العام بحقوق عين شمس أنه وفقا للإعلان الدستورى الحالى ليست هناك علاقة للرئيس القادم بعملية صياغة الدستور ويقضى بعدم جواز هذا قانونا، موضحا بأن الأعضاء المنتخبين من مجلسى الشعب والشورى هم المسئولون عن انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور والتى ستتولى إعداد مشروع دستور يتم الاستفتاء عليه، وبالتالى فإن الرئيس المقبل لا يستطيع التأثير على جمعية صياغة الدستور، أما عن صلاحياته فسيقوم الرئيس بممارسة سلطاته وفق ما ينص عليه الإعلان الدستورى الحالى حيث المادة 65 من الإعلان والتى تنص على اختصاصات الرئيس لكنها أقل مما كان موجودا فى دستور 1791، أما عن المخاوف من أن تحدد صلاحيات الرئيس فى الدستور المقبل بناء على توجهاته السياسية ومدى قربه سواء من الإسلاميين المتمتعين بأغلبية فى البرلمان أو المرشح الآخر، فهذا حديث يدخل فى إطار الصراع أو التصفية بين الأطراف المتعارضة ولا أتوقع أن يعمد الرئيس المنتخب إلى الضغط من خلال إرجاء عملية صياغة الدستور الجديد، بل أرى أن جميع الأطراف ستحرص على سرعة صياغته لتجنب حدوث مشاكل تهدد العلاقة بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية وتعيدنا خطوات أخرى إلى الوراء، وبوجه عام فيجب ألا تتاح الفرصة لأى ممن سيتولى الرئاسة أن يؤثر على الدستور لأنه ليس بدستور فرد وإنما أمة. وبسؤالى له عن تخوفه على دستور مصر القادم؟ أجابنى قائلا: أنا خايف على مصر كلها من محاولات إعادتها للماضى.
«دستور شعب وليس رئيس»
يتحدث د.أحمد أبو الوفا أستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة عن بداية هذه الأزمة قائلا: المشكلة ترجع إلى عيوب الدساتير والتى نسير وفقها بدلا من تعديلها فمن دستور1791الذى تم العمل به إلى أن تم تعطيله أو تجميده إلى أن جاء الإعلان الدستورى والذى لم يحتو هو الآخر على تفصيلات بخصوص صلاحيات الرئيس القادم، وعدم وضوح طبيعة النظام السياسى هل هو برلمانى أم رئاسى إلى أن أدى الصراع السياسى الأخير إلى عرقلة تشكيل الجمعية التأسيسية وعدم كتابة الدستور، وبالتالى فنحن أمام الخيار الأقرب حيث يمارس الرئيس الجديد سلطته بناء على ما ورد بالإعلان الدستورى فيما يتعلق باختصاصات الرئيس، ومنها المادة «52» والتى تنص على أن رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية ويسهر على تأكيد سيادة الشعب وعلى احترام الدستور وسيادة القانون وحماية الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وأيضاً ما ورد فى المادة «13» والتى تنص على أن يعين رئيس الجمهورية خلال ستين يوما على الأكثر من مباشرته مهام منصبه، نائباً له أو أكثر ويحدد اختصاصاته أو اختصاصاتهم.
وأيضاً ما ورد فى المادة «65» حيث إن من حقه إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وتمثيل الدولة فى الداخل والخارج، وإبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية، وتعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وإعفاؤهم من مناصبهم، ويضيف أبو الوفا أما إذا لم يرد نص صريح بخصوص مسألة معينة، فعلى الرئيس فى هذه الحالة أن يمارس الصلاحية لإتمام ذلك بما لا يتعارض مع المصلحة العليا للبلاد إضافة إلى عدم المغالاة فى ممارسته السلطة أثناء تأديته لهذه المهمة، كما أوضح أبو الوفا رؤيته حول مصير الدستور المصرى الحائر قائلا: للأسف رغم ملايين التجارب والمبادئ الدستورية فى الدول المختلفة إلا أن طريقة التعامل مع وضع الدستور فى مصر تكشف عن أن بعض المتعاملين معه ليسوا على دراسة أو وعى بمبدأ مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، حيث لابد من مراعاة عدة جوانب أثناء صياغة مواد الدستور أولها: أن يتم الانحياز فى اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية وفقا لمبدأ الاستحقاق والجدارة، كما لابد أن تتسم بالعمومية والدقة فى الصياغة حتى لا نقع مجددا تحت وطأة التلاعب القانونى وأن توضع من خلال مشاركة مجتمعية جادة لأن الدساتير توضع لتستمر فترات طويلة لا أن تضعها أغلبية البرلمان وتأتى الأغلبية التى تعقبها لتغيرها، لذلك علينا جميعا وعلى الجمعية التأسيسية خاصة أن تضع فى اعتبارها أنها ستعد دستورا يحكم البلاد بصفة دائمة وبالتالى لا يصح أن ننظر فيه إلى المصالح الضيقة لخدمة هذا الرئيس أو ذاك، ورئيس الدولة رغم عظم منصبه فهو فرد أمام 58 مليون فرد، لذلك فالضمانة الحقيقية أن يكون الشعب يقظا لأى خروج عن «النص».
[البدرى فرغلى] «خطورة»
''الدستور لن يفصل» هكذا أكد الدكتور عبدالغفار شكر وكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى الاشتراكى موضحا أن الرئيس القادم سيلتزم بصلاحياته المحددة بموجب الإعلان الدستورى القائم على أن يتم تحديد اختصاصاته بشكل أوضح فى الدستور الجديد وخاصة فيما يتعلق بعلاقته بالسلطة التشريعية والحكومة، وعن تدخل الرئيس القادم فى تحديد بعض الصلاحيات بالدستور الجديد يقول شكر: الدستور القادم ستضعه اللجنة التأسيسية للدستور والتى ستضم ممثلى الشعب والكنيسة والأزهر والسياسيين والقانونيين وغيرهم بمعنى أن الدستور لن يكتب بيد الرئيس إنما الشعب لذلك فالخوف من تولى الرئيس منصبه قبل الانتهاء من الدستور لا يشكل خطرا إلا إذا نجح مرشح الإخوان المسلمين حيث ستكون الأزمة فى أن أغلبية اللجنة ستكون من حزب الرئيس لأن اللجنة التأسيسية للدستور من الناحية الشكلية تمثل جميع المؤسسات من نقابات وهيئات وغيرها إلا أن معظم أعضاء هذه المؤسسات هم أيضا ينتمون إلى نفس التيار السياسى وهو ما يعنى عدم تنوعها، وبالتالى سيتم وضع صلاحيات أكبر للرئيس داخل الدستور الجديد.
لذلك فنحن نراهن على الشعب المصرى الذى عليه أن يظل متيقظا لثورته ولن يقبل الاعتداء على حقوقه أو يدخل إلى عالم ديكتاتورى جديد.