بين عشية وضحاها، تطالعنا إشكالية كبرى فى مسلسل إشكاليات الإعلان الدستورى، ففى الوقت الذى تأخذنا فيه نشوة الثورة، ونتنسم فيه عبير الحرية، ويطيب الحديث عن تقليص صلاحيات الرئيس التى تجعل منه فرعوناً يعبد من دون الله، تقف إشكالية تأسيسية الدستور التى باتت تبحث عن مخرج آمن بعد أن أصبحت شرعيتها مجروحة وتقوقعت فى حزبى الحرية والعدالة الإخوانى والنور السلفى تقريبًا، وأصبح سيناريو انتخاب الرئيس قبل وضع الدستور والاستفتاء عليه هو الأقرب للواقع العملى، وأطاحت الإشكاليات الراهنة بالآمال التى كانت معقودة على الانتهاء من وضع الدستور قبل مجىء رئيس لا يعرف حدود صلاحياته، ولا نظام الحكم الذى ستسير عليه البلاد، ولا اختصاصات السلطات الثلاث وحدود العلاقة بينها. مما لا شك فيه أن صلاحيات الرئيس المنتظر تعتبر أول لغم فى طريق الدستور الجديد، وبالتالى فستكون اختصاصات الرئيس بناء على الإعلان الدستورى المؤقت، ودستور 1971 المستمدة منه بنفس النصوص التى تحدثت عن صلاحيات رئيس الجمهورية، ووفقًا لدستور 1971 الذى يتكون من 211 مادة فى سبعة أبواب، نجد أن رئيس الجمهورية له 35 صلاحية تحدثت عنها 55 مادة من إجمالى مواد الدستور، وذلك بما يعادل 67 % من الاختصاصات التى تحدثت عنها مواد الدستور، على حين خول الدستور 14 صلاحية فقط للسلطة التشريعية بما نسبته 25% من الصلاحيات التى تحدث عنها الدستور، وهو ما يعنى أن صلاحيات الرئيس بالإضافة لموقعه الحزبى تتجاوز ال90 بالمائة، وهى صلاحيات من شأنها أن تخلق من الرئيس، حتى ولو كان حملاً وديعًا، فرعونًا لا يستطيع أحد أن يعارضه فى شىء، ولا يملك الجميع حيال هذه الصلاحيات المطلقة إلا تقديم السمع والطاعة على أكف الضراعة، فهو رئيس الدولة، ورئيس السلطة التنفيذية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الدفاع الوطنى، والرئيس الأعلى لمجلس القضاء، والرئيس الأعلى للشرطة، والرئيس الأعلى لكل الهيئات الرقابية، بما فى ذلك الجهاز المركزى للمحاسبات، والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وهيئة الرقابة الإدارية، وكذلك الحق فى تعيين رئيس مجلس الوزراء وعزله، وتعيين الوزراء وعزلهم، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين، وتعيين عشرة أعضاء بمجلس الشعب، ودعوة البرلمان للانعقاد وفضه، وتعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى، وحل البرلمان، وإصدار قرارات لها قوة القانون، وغيرها من الصلاحيات التى تضيق هذه السطور بحصرها، فإذا ما انتقلنا للإعلان الدستورى، لم نجد الأمر يختلف كثيرًا، فهى نفس الصلاحيات المطلقة التى تحدث عنها دستور 1971، وتضمنها الإعلان الدستورى لكى تكون للمجلس العسكرى الذى يدير شئون البلاد، وطبقًا للإعلان الدستورى الحالى فإن اختصاصات المجلس العسكرى التى سوف تنتقل للرئيس المنتظر فى الواحد والعشرين من يونيه القادم على أقصى تقدير، وهى: التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها، وتعيين الأعضاء المعينين فى مجلس الشعب، ودعوة مجلسى الشعب والشورى لانعقاد دورته العادية وفضها والدعوة لاجتماع غير عادى وفضه، وحق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وتمثيل الدولة فى الداخل والخارج وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية وتعتبر جزء من النظام القانونى فى الدولة، تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفائهم من مناصبهم، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم على الوجه المبين فى القانون واعتماد ممثلى الدول الأجنبية السياسيين، والعفو عن العقوبة وتخفيفها، أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون، والسلطات والاختصاصات الأخرى المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضى القوانين واللوائح. فى البداية، يقول المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض، إن صلاحيات الرئيس القادم يحددها نص المادة 56 من الإعلان الدستورى، فالنظام الرئاسى سيستمر كما هو بنفس الصلاحيات طبقًا للإعلان الدستورى، لحين وضع دستور جديد للبلاد، ووصف نائب رئيس محكمة النقض معركة الدستور بالمفتعلة، بعد أن أخذ الخلاف منحى آخر لا يتعلق بالدستور وإنما على الأشخاص، وهو أمر من شأنه أن يدخلنا إلى متاهة حيث لا نصل إلى لا شىء، وأكد مكى أنه كلما قل عدد نواب البرلمان فى الجمعية التأسيسية كلما كان ذلك أفضل، حتى يتفرغوا لما هو أهم من ذلك من مراقبة أداء الحكومة فى ظل هذه الظروف المرتبكة التى تمر بها البلاد، كذلك يتفرغون للتشريع وتبعاته الثقيلة، فهناك العديد من القوانين التى نحن فى أمس الحاجة إليها، مثل الأحكام العسكرية، واستقلال القضاء، واستقلال الجامعات، وغيرها من الأمور الملحة، ويتركون أمر الدستور لغيرهم. ويرى المستشار بهاء أبو شقة، نائب رئيس حزب الوفد، أننا بصدد مشكلات دستورية كثيرة، سنظل نعانى منها بسبب أننا أخطأنا الطريق الذى كان يتعين علينا أن نسير فيه من وضع الدستور أولاً، بحيث نكون أمام دستور يحدد شكل النظام السياسى للدولة، سواء كان رئاسيًا أم برلمانيًا أم مختلطًا، كذلك ينظم اختصاصات رئيس الجمهورية وعلاقته بالسلطات الثلاث، كل هذه المسائل تنظمها الدساتير فى العالم كله، مضيفًا أنه لا يتصور من زاوية المنطق أن يتم انتخاب رئيس جمهورية ليس لديه علم واضح بحدود صلاحياته، متسائلاً على أى أساس يجرى استفتاء على دستور يوضح صلاحيات الرئيس بعد انتخابه؟! معتبرًا أن ذلك مصادرة على حق الناخب، فضلاً عن المرشح، موضحًا أن الشخص الذى قد يصلح للنظام الرئاسى قد لا يصلح للنظام البرلمانى أو المختلط، كذلك المسألة المتعلقة بنسبة ال50 % من العمال والفلاحين، وغيرها من القضايا التى لم تحسم حتى الآن تجعل مجلسى الشعب والشورى مشوبين بعوار عدم الدستورية، وأضاف نائب رئيس حزب الوفد أن السير فى الطريق العكسى الذى لا يتفق مع الأعراف والأصول الدستورية الثابتة والمعروفة على مستوى العالم فى كل الدول الديمقراطية سوف يفرز لنا إشكالية لنا، إشكالية أخرى تتعلق بصلاحيات نائب الرئيس الذى من المنتظر أن يتم تعيينه خلال ستين يومًا من انتخاب الرئيس، ولذلك طالبنا بأن يكون انتخاب النائب مع انتخاب الرئيس، مثل الدستور الأمريكي، معتبرًا أن شخصية النائب يكون لها دور فى تقييم الرئيس، كما أن وجودها بشكل منتخب يجنب البلاد الوقوع فى فراغ دستورى، ولا نضطر لعمل انتخابات جديدة لرئاسة الجمهورية، كما حدث فى أمريكا عقب اغتيال الرئيس كنيدى، فبمجرد اغتيال الرئيس كنيدى، أصبح نائبه جونسون رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية، وهو على متن الطائرة التى تقل جثمانه، حيث قام بحلف اليمين أمام قاضيه، واصفًا ما يحدث الآن بإضاعة الوقت الثمين فى لحظات فارقة فى تاريخ الوطن لعمل تجارب كلها تبوء بالفشل الذريع. وتابع الدكتور إبراهيم درويش، الفقيه الدستورى أن الرئيس القادم سوف يحكم مصر وفق الإعلان الدستورى القائم، فما يختص به المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى من صلاحيات سوف ينتقل للرئيس المنتظر، مضيفًا أننا بصدد إشكاليات معقدة تواجه عمل الجمعية التأسيسية، وطبيعى فى ظل هذه الظروف أن يتأخر وضع الدستور على انتخاب الرئيس، موضحًا أن الأمر يتوقف على مرشح الإخوان المهندس خيرت الشاطر، فإذا كان الأمر باتفاق مع المجلس العسكرى فلن تكون هناك إشكالية، أما إذا كان الأمر نكاية فى المجلس العسكرى الذى رفض إقالة الحكومة، فسوف تكون هناك مفاجأة من العيار الثقيل. ولفت الدكتور ثروت بدوى، الفقيه الدستورى، أن الرئيس القادم بدون صلاحيات محددة، وإنما تكون صلاحياته (حسب مزاجه) على حد تعبيره، مؤكدًا أن هذا الأمر مقصود بهدف الإبقاء على النظام السابق بكل مكوناته، فما زالت قواعده متشعبة ومتجذرة فى كل أجهزة الدولة، فى انتظار العودة للمشهد، ولاحظ الفقيه الدستورى بدء عودة الفلول بنفسها للساحة ببجاحة مخيفة بعد أن ظلت مختفية طوال الفترة السابقة على انتخابات الرئاسة، وحذر الفقيه الدستورى من مجىء الرئيس القادم من دون صلاحيات محددة، وبأن يأتى بصلاحيات دستور 1971 المطلقة، مما يجعله يتمسك بالنظام الرئاسى ويضغط فى صورة تحالفات وغيره حتى يبقى الوضع على ما هو عليه، وأكد بدوى أن الغموض يلف المشهد بأكمله، مستبعدًا تجاوز الأزمة والاتجاه لوضع دستور جديد يقلص من صلاحيات الرئيس ويحدد النظام السياسى للبلاد، واختصاصات السلطات وعلاقة بعضها ببعض. بينما نفى الدكتور محمد الميرغنى، أستاذ القانون الدستورى بجامعة عين شمس أى تخوفات جراء تأخر وضع الدستور على انتخاب الرئيس، موضحًا أن العبرة ليست بالنصوص، وإنما بالنفوس، فكم من دساتير تتضمن نصوصًا جيدة أطاح بها استبداد الحكام وذهبت أدراج الرياح، لافتًا إلى أن الإشكالية الحقيقية تكمن فى التزام الشعب بالمبادئ العامة الحاكمة للدستور حتى ولو لم تكن مكتوبة، لأن هذا يكون وضعًا مؤقتًا لحين إعداد الدستور، مشيرًا إلى أن المبادئ العامة المتعارف عليها عالميًا مثل مبادئ الحرية والمساواة والعدل هى التى تحكم الدول، وهى ليست فى حاجة إلى نصوص مكتوبة لأنها معروفة ولا يوجد حولها خلاف، ذاكرًا أن فرنسا بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية وانسحاب السلطات الحاكمة، وإعلان سقوط الدستور، جاءت حكومة جديدة طبقت المبادئ العامة للدستور رغم عدم وجود دستور مكتوب لحين استقرار الأمور ووضع الدستور الذى يحكم بمقتضاه البلاد، مشددًا أنه ليست هناك إشكالية على الإطلاق من تأخر الدستور لفترة ما بعد انتخاب الرئيس واستقرار الأوضاع، أما الإشكالية الحقيقية فى الأهواء الشخصية، والحسابات الحزبية، ولو على حساب المصلحة العامة. ووصف الدكتور صلاح صادق، أستاذ القانون بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، ما يحدث من جدل محتدم حول الجمعية التأسيسية، ومن احتمال تأخر الدستور لما بعد انتخاب الرئيس ب(سمك...لبن...تمر هندى) موضحًا أن الموقف بأكمله يشوبه عدم وضوح الرؤية، فلا نستطيع أن نجزم بشىء محدد حول ما يتعلق بصلاحيات الرئيس المنتظر طالما أن موقف المجلس العسكرى مع جماعة الإخوان المسلمين يغلفه الغموض فى كل شىء، وأكد أستاذ القانون الدستورى أن الرئيس القادم ليس له اختصاصات معينة لا طبقًا للإعلان الدستورى، ولا طبقًا لدستور 1971 موضحًا أنه بقيام الثورة ونجاحها بتأييد الشعب لها سقط تلقائيًا الدستور القائم، لأنه تتم إبادة النظام القديم بما فى ذلك أساسه ومعماره وهو الدستور، وفى ظل وضع العربة أمام الحصان ومجىء الدستور تاليًا لانتخاب رئيس الجمهورية، فلا نستطيع أن نتكهن بالنظام السياسى الذى يحدد نظام الحكم فى الدستور الجديد، فإذا كان المرشح إخوانيًا مثلما حدث مؤخرًا بالدفع بالمهندس خيرت الشاطر كمرشح رئاسى للجماعة، فحال حدوث ذلك سيكون النظام السياسى رئاسيًا، وحال عدم حدوثه سيمارس الإخوان ضغوطًا من أجل أن يكون النظام السياسى برلمانيًا، وبالتالى ستحدد اختصاصات الرئيس طبقًا لما ستسفر عنه الأحداث فى الأيام القادمة. وتابع عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبى الديمقراطى أننا كنا على أمل أن ينتهى واضعو الدستور من عملهم قبل انتخاب رئيس الجمهورية، مضيفًا أنه من الواضح أن وضع الدستور سوف يتأخر عن انتخاب الرئيس؛ نتيجة الإشكاليات الكبيرة التى تواجه الجمعية التأسيسية، وعلى رأسها شرعية هذه الجمعية بعد الانسحابات المتوالية من بعض القوى السياسية، وكذلك ممثلى الأزهر والكنيسة، وبعض الشخصيات العامة، مضيفًا أنه حال انتخاب رئيس الجمهورية قبل وضع الدستور فسوف تنتقل إليه صلاحيات المجلس العسكرى المخولة له طبقًا للإعلان الدستورى المؤقت، وهى بالطبع اختصاصات واسعة، ونفى المفكر اليسارى أية مخاوف من صلاحيات الرئيس، واستخدامها لإعادة إنتاج نظام مبارك التسلطى، لأن الحالة المتوترة وغير المستقرة التى عليها البلاد لا تمكن أى رئيس قادم من الاستبداد بالأمر، والدخول فى مواجهة مع الشعب المصرى، فاحتمالات الغضب والاحتجاجات لا تزال موجودة بقوة فى الشارع، ولن تمكن أى رئيس مهما كانت صلاحياته واسعة من الاستبداد بالأمر، أو ممارسة ضغوط معينة من شأنها أن تحدث انحرافًا تشريعيًا فى البناء الدستورى للدستور القادم، حيث لم يعد ذلك ممكنًا فى ظل حالة الثورة التى يعيشها الشعب المصرى منذ الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن. وكشف حسين عبد الرازق عضو المجلس الرئاسى لحزب التجمع أن الحل يتلخص فى صدور إعلان دستورى جديد من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يحل فيه مشكلة تأسيسية الدستور عن طريق تحديد ضوابط واضحة وصريحة لتشكيلها وطريقة عملها، مطالبًا بتأجيل موعد الانتخابات الرئاسية لحين إعداد الدستور وإصداره بعد موافقة الشعب عليه، وبالتالى يتم انتخاب الرئيس بناء على نظام سياسى واضح، وكذلك يعرف كل من المرشح والناخب حدود اختصاصات الرئيس، وعلاقته بالسلطات الأخرى. وطالب الدكتور أحمد سعيد، عضو مجلس الشعب رئيس حزب المصريين الأحرار، بالإسراع فى إجراء انتخابات الرئاسة قبل إعداد الدستور، تحقيقًا لمطلب الشارع المصرى، وذلك لتقليص الفترة الانتقالية قدر الإمكان، وذكر عضو مجلس الشعب أنه قد تقدم بطلب إحاطة عاجل للبرلمان استجابة لمطالب الناس بتقليص الفترة الانتقالية، مطالبًا فيه بسرعة إجراء انتخاب الرئيس قبل البدء فى وضع الدستور، لافتًا أنه فى ظل الظروف الملتهبة التى يمر بها الشارع المصرى، فضلاً عن الوعى السياسى لدى الجماهير العريضة، فكل ذلك يقف حائلاً أمام أى رئيس يأتى بصلاحيات مطلقة، ورفض رئيس حزب المصريين الأحرار ما أسماه بسلق الدستور، مؤكدًا أنه ما دخل البرلمان إلا من أجل الدستور، الذى لابد أن يكون توافقيًا وتشارك فيه كل القوى والأطياف السياسية عن طريق التمثيل الحقيقى يمكنه من الدوام، رافضًا تمامًا أن تنفرد به الأغلبية، وتوقع سعيد حدوث خلافات جوهرية حول المبادئ العامة للدستور القادم، مؤكدًا أن الصدام الحقيقى هو صدام الدستور، رافضًا فكرة أن هناك اتفاقًا حول الثوابت العامة للدستور القادم. وحذر النائب باسل عادل عضو الهيئة العليا لحزب المصريين الأحرار من الصلاحيات المطلقة للرئيس القادم التى خولها له الإعلان الدستورى فى المادة 56 منه، موضحًا أنها نفس الصلاحيات المطلقة المستمدة من دستور 1971، وإذا استغلها فسوف (يقلب البلد رأسًا على عقب)، منبهًا أن القوى الإسلامية تريد الاستحواذ والهيمنة على الدستور القادم، متوقعًا أنه إذا كان الرئيس مدنيًا فسوف يجنحون لجعل النظام السياسى برلمانيًا، وإذا كان الرئيس إسلاميًا فسوف يكونون أميل إلى النظام الرئاسى، لتحقيق نوع من التوازن فى الصلاحيات والمصالح، وهى إشكالية كبرى تواجه الدستور القادم بسبب سيطرة الأغلبية على تشكيل الجمعية التأسيسية، وعدم تمثيل كل قوى الشعب تمثيلاً حقيقيًا يحفظ التوازن والمصالح المشتركة للجميع. فيما أكد مجدى حسين رئيس حزب العمل أننا أمام فرصة حقيقية للخروج من عنق الزجاجة وإنهاء الفترة الانتقالية، أقوى من الفزع المثار بصورة مبالغ فيها حول ضرورة الانتهاء من وضع الدستور سريعًا، والتخوف من الأخطاء الكارثية التى قد تنتج عن التعجل فى إعداد الدستور، وغير ذلك من الأجواء الإرهابية والمتوترة التى تحيط بدائرة وضع الدستور، موضحًا أنه تم حكم البلاد بنظام حكم فردى تسلطى مزاجى الهوى على مدى فترات النظام السابق، من دون أية ضوابط أو قواعد دستورية، رغم وجود بعض نصوص الحقوق والحريات العامة فى دستور1971 ولم يتم تطبيق أى منها، فالعبرة لم تكن بوجود النصوص فى الدستور، وإنما بالجوهر، وتطبيق النصوص، نافيًا وجود إشكاليات فى تأخير وضع الدستور عن انتخاب الرئيس، وأوضح رئيس حزب العمل أن العبرة بصلاح السلطة التنفيذية كلها، وانتخاب رئيس جمهورية يحترم الدستور والقانون، فلا يمكن صلاح السلطتين التشريعية والقضائية وهناك سلطة تنفيذية معوجة، فمع انتخاب سلطة تنفيذية تخضع للرقابة الشعبية والبرلمانية، يتحقق لها أمران: الشرعية لأنها منتخبة من الشعب، والخبرة السياسية التى يفتقدها المجلس العسكرى، بذلك يكلل المجهود النجاح، وتسير الأمور قدمًا إلى الأمام، لافتًا أن تأخر الدستور ليس مطلوبًا، نافيًا أن يكون هناك تخوف من تأخره لمدة شهرين أو ثلاثة بحيث يتم ذلك فى أجواء طبيعية هادئة بعيدة عن أية توترات سياسية، وانتقد رئيس حزب العمل المعارك المشتعلة بين الفرقاء السياسيين حول الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، واصفًا إياها بالمفتعلة، من حيث إنها تهدف إلى عرقلة التيار الإسلامى عن تسلم السلطة، فهى محاربة للشمس التى ينبغى حتمًا أنها ستظهر رغم أنوفهم، وهذا ما كان يحدث إبان النظام السابق، عن طريق تعطيل الانتخابات الحرة، لأنها حتمًا كانت ستأتى بالإسلاميين، وهذه ظاهرة تاريخية اجتماعية معروفة، فهناك أقلية لا تريد أن تعترف بالحقيقة والأمر والواقع بهدف تعطيل المشروع الإسلامى، ولو حدث ذلك لما وجدت هناك مشكلة، فالدستور تعده الأغلبية بشرط مراعاة كل أطياف المجتمع فى المضمون الدستورى، وفكرة حدوث إجماع كامل لا يحدث فى أى مكان فى العالم، ففى النهاية ستكون هناك أغلبية ما، وتشارك الأقلية فى أضيق الحدود أقل الدرجات، وهو ما حدث بالفعل فى الجمعية التأسيسية المخولة حاليًا بوضع الدستور المنتظر، وقد تم الانتخاب فيها على درجتين من الشعب، وهى مستقلة تمامًا وسوف تقوم بطرح الدستور على الشعب للاستفتاء عليه فور الانتهاء منه، مشددًا على أنه تبقى الضمانة الوحيدة فى كل شىء للشعب، حيث يظل يقظًا من أى انتشال لحقوقه، متمنيًا أن تصل السفينة لبر الأمان والثورة ما زالت حية فى قلوب الناس، فلا يستطيع أن يأتى رئيس جمهورية بانتخابات حرة نزيهة ليمارس صلاحيات مطلقة على الشعب كما حدث قبل ذلك، موضحًا أنه لا توجد إشكاليات فيما يتعلق بصلاحيات نائب الرئيس الذى قد يسبق تعيينه الدستور الجديد، فالنظام المعمول به فى الإعلان الدستورى المؤقت لحين وضع الدستور الجديد هو النظام الرئاسى الذى يكون فيه نائب الرئيس بلا صلاحيات، سوى أن يحل محله فى حالة المرض، ويبقى المطلب الأوحد فى انتهاء الوضع الانتقالى بأقصى سرعة ممكنة، وكل ما عداه أمور هينة لا تسبب أية إشكاليات يمكن تداركها، وتعديلها. واعتبر الدكتور طارق الزمر، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، صلاحيات الرئيس القادم إحدى الإشكاليات الكبرى التى سوف نواجهها فى الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أننا كنا نتمنى أن يتم الانتهاء من وضع الدستور قبل نهاية يونيه بحيث يتم انتخاب الرئيس بناء على الدستور الجديد وصلاحياته الواضحة والمحددة التى سوف يخولها للرئيس، وبالتالى فنحن أمام إشكالية كبرى ستستمر لحين الانتهاء من وضع الدستور الجديد والاستفتاء عليه من الشعب. وذكر الدكتور عماد جاد عضو مجلس الشعب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أن الرئيس القادم سوف يستمد صلاحياته من الإعلان الدستورى، وهى تقريبًا نفس صلاحيات الرئيس المطلقة التى خولها له دستور 1971 على أساس نظام رئاسى، ومن هنا كان ينبغى أن يأتى الرئيس بناء على دستور واضح يحدد اختصاصاته، أما إن ذلك لم يحدث فالإعلان الدستورى هو الذى يحدد صلاحياته لحين وضع دستور جديد. وفى السياق ذاته، أوضح اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمنى والإستراتيجى أن الوضع القانونى يحدد اختصاصات الرئيس بالصلاحيات التى خولها له الدستور المؤقت الحالى، سواء فى ذلك البنود التى استفتى عليها الشعب أو الإعلانات الدستورية التى صدرت بشأن الدستور المؤقت، موضحًا أنها صلاحيات واسعة، لكنها سوف تكون لفترة محددة لا تزيد عن ثلاثة أشهر من تاريخ انتخاب الرئيس طبقًا للإعلان الدستورى، لافتًا إلى أنها ستكون فى ظل رقابة شعبية جراء الحالة السياسية الناشطة للشعب المصرى منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، وذلك فضلاً عن الرقابة البرلمانية والحزبية، مما يمثل ضمانة حقيقية أمام هذه الصلاحيات الواسعة، ويقصرها على الناحية النظرية فقط طبقًا لنص الإعلان الدستورى، لكن من الناحية العملية لا يستطيع تطبيقها على أرض الواقع. وفى النهاية أبدى الدكتور عصام النظامى، عضو المجلس الاستشارى، تخوفه الشديد حال صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعد دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب، مما يترتب عليه حل البرلمان، لافتًا أنه بذلك نكون قد دخلنا فى حسبة برما، متسائلاً فى هذه الحالة هل ستنتقل صلاحيات المجلس العسكرى إلى الرئيس المنتخب مع نهاية يونيه، على أن يتولى هو إعادة بناء مؤسسات الدولة من الصفر، أمن أنه فى هذه الحالة سيستمر المجلس العسكرى فى إدارة البلاد لحين إجراء انتخابات البرلمان ووضع الدستور؟!، وخصوصًا أن صلاحيات الرئيس القادم يشوبها الغموض وعدم الوضوح، من حيث اختصاصات السلطة التنفيذية، وعلاقتها بالسلطتين التشريعية والقضائية، وعدم تحديد كل ذلك حتى الآن بسبب تأخر وضع الدستور لما بعد انتخاب الرئيس كما هو واضح الآن لكل قارئ للوضع السياسى، وفى مفاجأة من العيار الثقيل حال حل مجلس الشعب، طالب عضو المجلس الاستشارى بإحياء دستور 1971 وإدخال التعديلات التى تم الاستفتاء عليها، واستمرار المجلس العسكرى فى إدارة شئون البلاد لحين استكمال أركان الدولة كلها فى منظومة واحدة.