الإعلان الدستوري الذي اصدره المجلس الاعلي للقوات المسلحة يشتمل علي مواد تتعلق بهوية الدولة والحقوق العامة للمواطن وتنظيم العلاقة بين المؤسسات القائمة.. ولكن.. اذا كان هذا الإعلان الدستوري يعني إصدار شهادة وفاة لدستور سنة 1791، أو أن دستور 17 لم يعد له وجود علي الأطلاق - كما قال اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع ومستشار رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة للشئون القانونية - فان هناك حوالي 94 مادة من الدستور »الميت« تطل برأسها في الدستور المؤقت، الذي يشتمل علي 36 مادة. فهل كان »تعطيل« دستور 1791 يعني أنه يمكن إعادته إلي الحياة في أي وقت أو »تحضير روحه«.. وبالتالي يظل هذا الدستور شبحاً يطاردنا أو يهدد بتصفية ثورتنا طالما يلوح في الأفق احتمال استدعائه في أية لحظة؟! ومعلوم ان هذا الدستور المؤقت سيبقي الي حين الانتهاء من إعداد دستور دائم جديد. الإعلان الدستوري في المادة (52) يقرر ان رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية، والذي »يسهر علي تأكيد سيادة الشعب وعلي احترام الدستور وسيادة القانون وحماية الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية..« ثم تحيلنا هذه المادة إلي مادة اخري هي (65) لكي نعرف منها ان رئيس الدولة يباشر، فور توليه مهام منصبه الاختصاصات التالية: التشريع - اقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها - تعيين الاعضاء المعينين في مجلس الشعب - دعوة مجلسي الشعب والشوري لانعقاد دورته العادية وفضها والدعوة لاجتماع غيرعادي وفضه - حق اصدار القوانين والاعتراض عليها - تمثيل الدولة في الداخل والخارج وابرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية... تعيين رئيس مجلس الوزراء نوابه والوزراء ونوابهم واعفاؤهم من مناصبهم - تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم.. واعتماد ممثلي الدول الاجنبية اسياسيين - العفو عن العقوبة او تخفيفها.. السلطات والاختصاصات الاخري المقررة لرئيس الجمهورية. أما عن مجلس الوزراء، الذي كنا نشكو من انه مجرد جهاز تنفيذي أو سكرتارية لرئيس الجمهورية.. فأنه يبقي كما كان.. في حدود »المهمة« السابقة. تقرر المادة (75) من الدستور المؤقت »من مهمة مجلس الوزراء والوزراء تولي السلطة التنفيذية«، و »الاشتراك« مع المجلس الاعلي للقوات المسلحة في وضع السياسة العامة للدولة، والإشراف علي تنفيذها، وتوجيه وتنسيق ومتابعة أعمال الوزارات.. واصدار القرارات الإدارية والتنفيذية.. وإعداد مشروعات القوانين واللوائح والقرارات، وإعداد مشروع الموازنة العامة للدولة، وإعداد الخطة العامة للدولة وعقد القروض ومنحها، وملاحظة تنفيذ القوانين والمحافظة علي أمن الدولة«. هنا نلاحظ ان مهمته تقتصر علي »الاشتراك« و»الاعداد«. وطبقاً للإعلان الدستوري، فإن المجلس الاعلي للقوات المسلحة يستمر في مباشرة اختصاصاته الي حين انتخاب مجلسي الشعب والشوري، وبعدها يتم نقل اختصاصات التشريع واقرار الميزانية ومراقبة الموازنة العامة.. للبرلمان المنتخب. أما عقب انتخاب رئيس الجمهورية، فأنه يتولي الاختصاصات التي يباشرها المجلس الاعلي للقوات المسلحة. ومعني ذلك أنه فور تولي الرئيس الجديد للدولة لمهام منصبه، سوف يتمتع بسلطات مطلقة لاحدود لها. وخاصة ان الدستور الجديد سيكون - لايزال - في مرحلةالإعداد والصياغة.. مما يجعل الرئيس الجديد في مركز قوي ومهيمن.. الامر الذي يتيح له استخدام ثقل منصبه في الاحتفاظ باكبر قدر من السلطات اللا محدودة التي وجدها في انتظاره.. ومعدة وجاهزة لكي يتمتع بها بطريقة تلقائية. وكانت المنتظر ان تطوي نهائياً صفحة دستور سنة 1791، وخاصة أن الطريقة التي فرض بها هذا الدستور علي الشعب المصري كانت بمثابة مؤامرة تهدر ابسط الحقوق الديمقراطية للمواطنين. يقول الدكتور ابراهيم درويش، مقرر لجنة السلطة التشريعية في لجنة الدستور 1791، والمقرر العام للجنة الصياغة النهائية لذلك الدستور: »ان المشروع الذي عرض للاستفتاء، باعتباره دستور 17، تم إعداده في الظلام بواسطة لجنة سرية مصغرة واشخاص مجهولين لا يعرف عنهم الشعب اي شيء«. وهناك من يقول ان الأمور الجوهرية، مثل إضافة مواد تحد من صلاحيات الرئيس المنتخب وتخضعه للمساءلة والمحاسبة، من جانب السلطتين التشريعية والقضائية.. تقع في صميم عملية صياغة الدستور الجديد! وإذا كان الأمر كذلك.. فلماذا الإصرار علي الإبقاء علي السلطات اللامحدودة لرئيس الجمهورية في الاعلان الدستوري، رغم ان الهدف الرئيسي لثورة 52 يناير هو إنهاء نظام الحكم الفردي السلطوي الديكتاتوري؟ ولماذا لم نسقط معظم المواد التي تتيح التمتع بهذه السلطات في انتظار عملية صياغة الدستور الجديد؟ وهل نفهم من تصريح اللواء ممدوح شاهين، الذي قال فيه انه »لا توجد دولة في العالم تغير دستورها وإنما تعدله« - وهو قول غير صحيح- ان هذه »القاعدة« تنطبق علي دستور 1791/ وهل معني ذلك اننا بصدد تعديل - مجرد تعديل فقط- للدستور المذكور؟. ولماذا يتعجل اللواء ممدوح شاهين ويصدر حكمه- منذ الان- بان النظام البرلماني »له عيوب«؟. وما معني القول بأن مصر لم تأخذ بالنظام البرلماني الا في دستور 32؟ وهل هذا يعيب النظام البرلماني أم يعيب دستور 32؟ ولماذا لا تكون هذه ميزة في دستور 32؟. واذا كان هناك مواد مؤجلة لانها تقع في صلب عملية صياغة الدستور الجديد.. فلماذا لم يؤجل الاعلان الدستوري مواد »كوته« المرأة ونسبة الخمسين في المائة عمال وفلاحين.. وحق رئيس الجمهورية في تعيين عشرة اعضاء في مجلس الشعب وثلث اعضاء مجلس الشوري؟. بل لماذا لم نرجيء حسم مصير مجلس الشوري ذاته؟.. ولماذا ننحاز منذ الان لنظام الجمهورية الرئاسية. الملاحظ ان مئات الالاف من المتظاهرين الذين احتشدوا في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي »لانقاذ الثورة« وطرحوا مطالب عديدة هامة وحيوية.. غابت عنهم القضية التي يجب ان تكون لها الاولوية، وهي: كيف سيكون نظام الحكم في مصر في العقود القادمة؟.