لو كنت أنا ذلك الرجل الذى سخرته الأقدار لاختبار اللحظة التاريخية. لو كنت أنا ذلك الذى وضعته الحظوظ والواجبات رهن المسئولية. لو كنت أنا القائل والمردد والمكرر إن مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا. لو كنت أنا الذى رسمت لى الأقدار طريقاً مرصوفاً بالشوك الجارح. وباتت كل الخيارات أمامى مغامرات ومخاطرات ما بين المدائح والمذابح. وتسلمت زمام القيادة فى مفرق التحدى مع إرادة القوة العظمى التى دبرت وخططت وتهيأت لاستقبال الفوز الكاسح. ولو أننى أنا الذى حتم موقعى أن أتشكك حتى أتأكد عبر المعلومات والتسجيل المفصل الشارح. أتأكد من تفاصيل المؤامرة ومن شخصياتها فى الخارج والداخل ومن المصرى فيها ومن السائح. وحددت دولها داخل الإقليم وخارجه من عرب ومن عجم من رؤساء ومرؤوسين، ورأيت رأى العين كيف كان هذا يخون وقت أن كان ذاك يكافح ألا ينبغى أن أصارح ولو قالوا هذا خبر جارح. لو أننى ذلك الذى شاء التاريخ أن يجعله فرقاناً بين كارهين مبغضين وبين محبين عاشقين. بين حاقدين رهنوا حياتهم بزوال حياتى، ومريدين آملين اتصل مستقبلهم بشخصى، وكأننى مهدى منتظر أو نبى هادٍ. لو أننى الذى يكتب البعض عنه على الحوائط فى الطرق وفى الميادين، بأنه الخائن اللعين. بينما يغنى له الملايين بأنه حلم العمر الذى أعاد لأمتنا ذكرى صلاح الدين. لو أننى ذلك وذاك، ماذا كنت أفعل فى اليوم وفى الغد؟ وهل أبدو قوياً شديد القوة، أم أظهر رحيماً بالغ الرحمة؟ هل أتجاسر بكل صور الشجاعة أم أتحلى بكل أنماط الحكمة؟ ألا ينبغى أن أضع للشعب فواصل غليظة بين الأوهام وبين والحقائق؟ ألا أتدرع بالصدق وحده مهما كان شائكاً ومهما كان لازماً أن أعرض ما فيه من تفاصيل ومن دقائق؟ هل أكشف أسرار جماعات البغض التى أشعلت فى أوطاننا الحرائق؟ ألا أواجههم بكل الحقائق ولو تكتلوا بأعداد كبيرة واحتموا بالقوى الغريبة وتجمع معهم كل الخوان من الشقائق؟ ألا أقول للناس «لا» قوية حاسمة بليغة، لا لن أعيدكم إلى الأمس ولن أعيد الأمس إليكم، ولكننى فى المقابل لن أترككم لهوس الألتراس من الغلمان و6 أبريل وقوى ائتلاف الثورة والإخوان المصريين الأمريكان وأحمد ماهر وشباب ماسبيرو الغربان والخرفان والحرمان والرسم البغيض على الحيطان. لو كنت أنا هو ما اكتفيت بأن أقول إن الوضع خطير وإنما أشرح تفاصيل الأمر المرير. ولا أقول إن البعض يخون وإنما أقدم بالتفصيل وبالدليل وبالتبرير أدلة الخيانة الدامغة القليل منها والكثير. حتى لو فضحت من كان مقامهم يوماً قلب ميدان التحرير وإذا قالوا قتلت أشرح كيف رحمت ما استطعت من تدبير وصبرت وللصبر الطويل شعور مرير وخصومى جعلوا الخيار حتمياً ما بين قتل وتدمير أو قتل وتدمير. وإذا قالوا ظلمت أشرح كيف تمنيت دائماً لو عدلت وكيف أفهم العدل للأوطان وأعرف أن الظلم وصمة لا يبرأ منها إنسان مهما طال به الزمان. لو كنت أنا ذلك الرجل لحاصرت مصطلح الشهيد حتى أستبين دلالته ما بين القديم وما بين الجديد. لو أننى ذلك القائد للبست فى يدى قفازاً من حديد ووضعت على رأسى خوذة من حديد وكأننى أعلن للقريب وللبعيد أننى أبدأ معركة أتسلح فيها بالرحمة يتلوها البأس الشديد، فأفجر الورم الخبيث مهما احتشد فيه الصديد. وأخبر كل الناس صراحة بأن اطمئنوا بأننى الرئيس الجديد وبأن عمرى مديد. فهو أبداً لا يساوى سنى فى الحياة وإنما يطول بعمر وطنى فأنفاسى مداد من كيانه الراسخ الأكيد. لو كنت أنا هو لسألت نفسى هل أنا حق بازغ أم أمر يثور بشأنه جدال؟ هل أنا الواقع الأمل، أم أننى ضرب من ضروب الخيال؟ هل ما أسعى إليه لوطنى منطقى أم محال؟ لو كنت أنا هو لصرخت صرخة تنهد معها جبال وقلت بأعلى صوتى محال. محال أن نظل فى حياتنا على حافة الجنون. أن نكفر برجال الحق ونعتقد فيمن يخون. أن نحول أدعياءنا أنبياء ويحيد عن طريقنا المخلصون. لو كنت أنا السيسى وكان السيسى أنا لقلتها بصدق اليوم إما أن نكون أو لا نكون.