عشقنا لهذا الوطن لا يمنعنا من انتقاد ما فيه من موبقات. ولكل وطن نكبة ولكل شعب عظيم عادة تؤصل هذه النكبة إلى أن يغيرها. وكثير من الشعوب فلحت حقا فى تغيير عاداتها بشكل جذرى، ما أسقط نكبتها ذاتياً. اقرأ التاريخ وستفاجَأ بوصف طبيعة الشعب الفرنسى «العنيفة» والشعب الأمريكى «العنصرى» والشعب الإنجليزى «المنغلق». كل هذا تغيير بفعل فاعل، ليثبت للباحث السياسى والتاريخى أن لفظ «طبيعة شعب» بلا معنى. هذه العادات تؤثر طردياً على الحكومات والأنظمة الحكومية؛ فإذا كانت عادة الشعب العنف فإن قابلية دخول الجيش فى حرب تزيد، وإذا كانت طبيعته «امتصاص الأزمات» وليس التعامل معها بشكل استباقى، سنكون شعبا ظالما إذا طلبنا من حكوماتنا أكثر من ذلك. وقد تعوَّد الشعب المصرى على حكومات الأزمات حتى فى فترات الاستقرار. فكان عهد «مبارك» ثلاثين عاماً من الاستقرار الممل؛ لكننا لم نسمع عن برنامج جذرى حقيقى لحكومة، اللهم إلا حكومة الخصخصة الأخيرة التى ثار الشعب المصرى ضدها. حتى بعد انتخاب رئيس، وهو ما يسقط أطروحة المرحلة الانتقالية، كان أداء حكومة «قنديل» انتقالياً وكان دائما تبرير النظام الحاكم أنها حكومة «انتقالية». السؤال: متى نتخلص من هذه الصيغة الانتقالية لحياة المصريين وحكوماتهم؟ والإجابة هى: حينما يتوقف الشعب عن عادته، وبدلاً من مطالبة الحكومة الحالية بامتصاص الغضب الشعبى والدولى والعمل على حل الأزمات اليومية، نمارس الضغط من أجل حلول أكثر استراتيجية كانتخاب رئيس وبرلمان فى أقصى سرعة والمصالحة الوطنية والحوار الوطنى والخطة الاقتصادية. مبروك على مصر ارتفاع تصنيفها الائتمانى، لكن من يقرأ خطاب المنظمة سيفهم أن هذا ظرف مؤقت لا يصف «الحالة الاقتصادية» وأن التصنيف فى المستقبل لن يعتمد على قدرتنا على جلب قروض تمتص أزماتنا المالية ولكن وجود خطة استراتيجية تنموية تجعل مصر ملاذاً آمناً للاستثمار. كفانا امتصاصا، حل الأزمات فى أن تواجه الأزمة قبل أن تولد.