طفل صغير لا تختلف ملامحه عن ملامح معظم الأطفال فى مصر؛ فلم تزل أعوامه العشرة لم تنبئه عن قسوة الأيام ولم تفارقه ابتسامته الصافية حتى إن كان قد اضطر أن يترك اللعب واللهو فى إجازته الصيفية ليساعد جده الهرم ذا السبعين عاما صاحب عربة الكشرى بسيدنا الحسين. الطفل عبدالرحمن حسين أنهى دراسته وأتى إلى الميدان، ميدان مختلف عن ذلك الذى ذهب إليه مع والده ذات مرة ويتذكر تفاصيله رغم عدم تكراره: «ده كان يوم عمرى ما هنساه فى حياتى»، كان هو اليوم الذى احتفلت فيه مصر كلها برحيل المخلوع: «أبويا ما كانش مصدق ان مبارك اتخلع وراح يتأكد»، سنوات عمره القليلة جعلت احتفاله مختلفا: «كنت بتنطط وبرقص ورفعونى على أكتافهم، كنت حاسس إنى أبوتريكة». انتهى الاحتفال وعاد مرة أخرى إلى ميدانه «الحسين» ينتظر أن يحتفل مرة أخرى فى احتفاله السنوى: «بستنى الأيام تعدى عشان ييجى رمضان»، انتظاره رمضان هذا العام يختلف عن كل عام؛ فقد منحه جده شرف المسئولية ونزع عنه «شورت الطفولة» ليلبسه عباءة أبيه التى تخلى عنها: «أبوك مش راضى يطلع بالرز السنة دى.. حضر نفسك يا بطل» فرح بعبارة جده وشعر بأنه قد صار رجلا سيكمل مشوار أبيه الرمضانى وراء الصينية. «أنا شاطر فى المدرسة وبنجح على طول ودى أحلى هدية لىّ»، يحن دوما لتلك الصينية المستديرة التى تمتلئ عن آخرها بأطباق الأرز باللبن وقمر الدين، لم يصدق نفسه أن أباه الموظف لن يستطيع أن يأتى كل يوم من الهرم ليقف وراءها فى الحسين وأن جده قد قرر أن يعيش معه عبدالرحمن طوال رمضان ليحل محل أبيه يقلده فى ندائه ولكن بصوت ضعيف: «حلى بعد الفطار.. الرز باللبن وقمر الدين للحلوين فى شهر الصيام». صوته الرقيق وشكل الأطباق المتلألئة بألوانها البيضاء والبرتقالية يزيدان من إقبال المارة على تناولها: «بكام الطبق؟ بجنيه ونص بس عشان خاطرك».. حلاوة لسانه لا تقل عن حلاوة أطباقه الشهية: «ببيع 100 طبق فى اليوم وربنا يكرم»، يتجمع حوله الزبائن؛ فالجميع يأكل ولا يهمه إن كان واقفا على الرصيف أم جالسا بمحل الألبان الشهير المجاور لعبدالرحمن: «مفيش فرق بينى وبينه، بس أنا زباينى فقرا ما يقدروش يدفعوا 15 جنيه فى طبق رز». أطباق الأرز الرمضانية عادة توارثها عبدالرحمن من بعد أبيه وجده الذى يبعد عنه ببضع خطوات يقف على عربة الكشرى ويشرف من بعيد على عبدالرحمن: «يا عبدالرحمن بطل لعب وخد بالك م الزباين» لا ينسى أنه طفل؛ فأحيانا يجمع أصدقاءه ليلعبوا معه حول «صينية الرز»، يدورون بالفوانيس أو يطلقون ضحكاتهم الصبيانية بعد إطلاقهم للصواريخ وقذائف البمب: «ما أنا عيل برضه ونفسى ألعب ورمضان مش بييجى كل يوم».