فضل الابتعاد عن هموم السياسة ومتاعبها التى لا تنتهى، فاختار لنفسه الراحة النفسية والجسدية بعد عقود طويلة أمضاها فى العمل العام كانت مليئة بالإنجازات والإخفاقات والأحداث التى سيتوقف التاريخ عندها كثيراً. كمال أحمد الجنزورى رئيس وزراء مصر فى عهد مبارك والمجلس العسكرى المولود فى 1933 بمركز الباجور بمحافظة المنوفية، تولى الوزارة الأولى له عام 1996 لثلاث سنوات ونصف فقط، قبل أن يصدر مبارك قراراً بإقالته فى عام 1999، فيخرج من الوزارة، ويلزم بيته معتزلاً الجميع، ومؤثراً الصمت التام، ورافضاً التعليق على أسباب إقالته والاستغناء عنه بعد رحلة طويلة قضاها فى خدمة الدولة، بدأها محافظاً للوادى الجديد، ثم وزيراً للتخطيط، فنائباً لرئيس الوزراء، فرئيساً للوزراء، وبدأ رئاسته الأولى بتنفيذ مشروعات ضخمة مثل مشروع توشكى وشرق العوينات، وترعة السلام. صمت الجنزورى الطويل وابتعاده عن الأضواء لمدة تجاوزت العشر سنوات لم يبعده عن ذاكرة بعض المواطنين الذين كانوا يرون فيه أنه أفضل رئيس وزراء فى تاريخ مصر رغم محاولات نظام مبارك تشويه صورته والتضييق عليه. بعد نجاح ثورة يناير 2011، لاحت الفرصة للرجل الحاصل على دكتوراه من جامعة «ميتشجان» بأمريكا للظهور من جديد على شاشة إحدى القنوات الخاصة لأول مرة، وهو ما استقبله البعض بارتياح شديد حتى وقع اختيار المجلس العسكرى عليه كثالث رئيس للوزراء بعد ثورة يناير، وهو ما فجر عاصفة من السخرية بين المواطنين، لكن الرجل صاحب الثمانين عاماً تشبث بالفرصة محاولاً إحياء مشروعه القديم الذى لم يكتمل فى عهد مبارك، فراح يدافع عن نفسه ويرد الانتقادات، وقال مقولته الشهيرة «تقدم السن ليس عورة، وأنا مش جاى أشيل حديد». تعرض الجنزورى لمحاولات كثيرة من قبل «الإخوان» لإبعاده عن منصبه ليشكلوا هم الوزارة، بعد حصولهم على الأغلبية البرلمانية فى أول برلمان منتخب بعد ثورة يناير، لكن صمود الرجل المدعوم من المجلس العسكرى حال دون رحيله أمام ضغوط الإخوان فى مجلس الشعب. بعد فوز د.محمد مرسى برئاسة الجمهورية فى صيف 2012 استقال الجنزورى أخيراً، وفضل الحصول على قسط من الراحة مبتعداً عن الأضواء والشهرة تماماً، لكن اسم الرجل كان مطروحاً على موائد كبار المسئولين فى عهد «مرسى»، بالإضافة إلى النظام الجديد الذى حل محل الإخوان بعد عزله فى بداية شهر يوليو الماضى، وكأنه المنقذ الوحيد لأزمات مصر، خاصة بعد أن ترددت الأنباء مؤخراً عن توسطه لدى السلطة الحالية فى البلاد لحل الخلاف القائم مع تنظيم الإخوان المسلمين، وهو ما لم يؤكده «الرجل الفولاذى» الذى لا يكل ولا يمل من الوجود فى قلب الأحداث إن لم يكن مسئولاً فهو وسيط وحلّال للعقد.