ولدت حكومته وسط عاصفة من المظاهرات خرجت لتطالب برحيل المجلس العسكرى عقب اعتداء الشرطة على متظاهرين بشارع محمد محمود، فإذا بالمجلس يقيل حكومة عصام شرف ويكلفه هو بتشكيل الحكومة الجديدة. كمال أحمد الجنزورى، رئيس وزراء مصر فى عهد مبارك المولود فى 1933، تولى منصبه عام 1996 لثلاث سنوات ونصف فقط قبل أن يصدر مبارك قراراً بإقالته فى عام 1999، فيخرج من الوزارة، ويلزم بيته معتزلاً الجميع، ومؤثراً الصمت التام، ورافضاً التعليق على أسباب إقالته والاستغناء عنه بعد رحلة طويلة قضاها فى خدمة النظام، بدأها محافظاً للوادى الجديد، ثم وزيراً للتخطيط، فنائباً لرئيس الوزراء فرئيساً للوزراء. لم يعد الجنزورى لسيرته الأولى من الحديث ومقابلة الإعلاميين إلا بعد نجاح ثورة يناير فى الإطاحة بمبارك ورجاله. خرج رئيس الوزراء «الصامت» عن صمته، وفتح فمه على اتساعه ليروى الحكايات عن فترة رئاسته للوزراء، ويفتح كل الملفات القديمة، ويتحدث عن معارك خاضها مع مبارك بسبب بعض الوزراء فى الحكومة، ويدافع عن قرارات اتخذها قديماً وهاجمته بسببها وسائل الإعلام، باختصار غسل الجنزورى يديه ومسحهما وجلس فى منزله منتظراً وجبة الطعام. وجاءت الوجبة أسرع مما تخيل عندما وقع اختيار المجلس العسكرى عليه كثالث رئيس للوزراء بعد ثورة يناير خلفاً للدكتور عصام شرف الذى طالب المتظاهرون فى ميادين مصر المختلفة بإقالته ورحيل المجلس العسكرى أثناء أزمة شارع محمد محمود. فما كان من المجلس إلا أن نفذ الطلب الأول وغض الطرف عن الثانى واحتاج الأمر لعدة أيام قبل أن يتم الإعلان عن اسم رئيس الوزراء الجديد.. الدكتور كمال الجنزورى. وقع الاختيار على الجنزورى لتنفجر عاصفة من السخرية بين المواطنين الذين لم يفهموا الهدف من اختيار وجه قديم جداً لرئاسة الوزراء. ومن ناحيته تشبث الجنزورى بالفرصة كأمل أخير فى البقاء على الساحة، فراح يدافع عن نفسه ويرد الانتقادات، وكان أبرز ما رد به عبارته الشهيرة التى أدلى به فى لقاء تليفزيونى عندما سألته المذيعة عن قدرته على القيام بمهام وظيفته وقد جاوز السبعين من عمره فرد قائلاً «أنا مش جاى أشيل حديد». بالكاد حمل الجنزورى أعباء وظيفته، شكل حكومة جديدة قال وقتها إن صلاحياتها تساوى صلاحيات رئيس جمهورية. انتقل من مكتبه بوزارة التخطيط إلى مكتبه برئاسة الوزراء بعد فض اعتصام جرى أمامه لمنعه من دخوله، ثم راح يتنقل بين مجلس الوزراء ومجلس الشعب عندما هدد الأخير بسحب الثقة منه عقب إلقائه بيان الحكومة. ووصل الخلاف لذروته بعد السماح بسفر المتهمين الأجانب فى قضية تمويل الجمعيات الأهلية، خاصة أن الجنزورى أعلن أمام مجلس الشعب بملء فيه أن الحكومة لن تستجيب لطلب الخارجية الأمريكية برفع الحظر عن سفر مواطنيها «لن نركع». ورغم الوساطات ظلت العلاقة ملتهبة بين مجلس الوزراء ومجلس الشعب، وزاد من التهابها ما أعلنه الدكتور الكتاتنى، رئيس المجلس السابق، من أن الجنزورى هدده خلال اجتماع جمعهما بالفريق سامى عنان بأن هناك قراراً لدى المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، وهو ما نفاه الجنزورى جملة وتفصيلاً، حتى دار الزمان دورته ليتم حل البرلمان بحكم «الدستورية»، ويظل الجنزورى باقياً فى منصبه.