لم تكن عملية إقناعه بالعودة مرة أخرى للعمل العام أمراً صعباً، طبيعته الشخصية التى تعشق الأضواء، وضوضاء المعارك السياسية والسلطوية، تميل إلى العودة والظهور مجدداً، فالابتعاد عن كراسى السلطة بمثابة كابوس لم ينقذه منه سوى دعوة من المشير. إنه الدكتور كمال الجنزورى -رئيس حكومة تسيير الأعمال الحالية- الذى تقدم باستقالته ومعه حكومته بالكامل بعد إعلان الدكتور محمد مرسى رئيساً للجمهورية بساعات، وهى اللحظة التى قابلها بمرارة شديدة، لكنها ليست بحجم المرة الأولى التى تخلى فيها عن هذا المنصب مجبراً عام 1999، بعد أربع سنوات فقط فى ديوان رئاسة مجلس الوزراء فى عهد مبارك، والتى أعقبها انعزاله عن الحياة العامة والاكتفاء بحضور المناسبات الاجتماعية وفى أضيق الحدود. وما يخفف من وطأة الإحساس بالمرارة فى الاستقالة الثانية للجنزورى من منصبه والذى لم يستمر فيه سوى 200 يوم فقط بعد تكليفه به بقرار من المشير حسين طنطاوى - رئيس المجلس العسكرى- ثقته بأن طنطاوى ليس كمبارك وأنه (طنطاوى) لن يحرمه من متعة الوجود تحت الأضواء بحكم الصداقة التى تربطهما بعيداً عن العمل، وأنه سوف يرضى بأى منصب يلبى رغبته حتى ولو عمل مستشاراً للمجلس العسكرى خلال الفترة المقبلة، طالما أن «العسكرى» لا يزال فى الصورة بتمتعه بالسلطة التشريعية. وبشكل أو بآخر تعمد الجنزورى أن تسلط عليه الأضواء خلال فترة عمله الثانية كرئيس لمجلس الوزراء، حيث خرج 3 مرات لوسائل الإعلام مفتخراً بنفسه وبإنجازات حكومته؛ مرة بعد مرور 100 يوم، ومرة أخرى بعد 150 يوماً، ومرة ثالثة قبل أن يقدم استقالته رسمياً بيوم واحد، وهى المرة التى تعمد فيها أن يوصل رسالة مفادها أنه يعمل لصالح الوطن وأنه سيظل كذلك حتى آخر يوم فى عمره. المنوفى ابن الدولة البيروقراطية المولود فى 12 يناير عام 1933 بمحافظة المنوفية، من الشخصيات التى تتسم بالعناد وعدم تقبل النقد بأى شكل، وهو ما زاد من أزماته خلال الفترة الثانية لتوليه الحكومة، ولعل أزمته الأشهر كانت مع البرلمان (صاحب الأغلبية الإخوانية قبل قرار حله) حيث لم يدم شهر العسل بينهما سوى شهر واحد حتى بدأ البرلمان التلويح بضرورة إقالة حكومته بعد سحب الثقة منها. حاول الجنزورى أن يبدى حسن نيته فى بادئ الأمر تجاه البرلمان وتوجه يوم 31 يناير من العام الحالى لمقر مجلس الشعب ليلقى كلمة للحكومة أمام نواب أول برلمان بعد ثورة 25 يناير، وكان بيانه هدفه الأساسى استقطاب البرلمان فى صفه والتأكيد على عدم وجود تعارض بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكن لم يرضَ الإخوان بكل ما حاول الجنزورى التأكيد عليه، ليمتنع بعدها عن الوجود بالبرلمان وأصدر تعليمات لوزرائه بعدم الحضور إلا فى أضيق الحدود. وتمسك الجنزورى بعناده مع البرلمان، مستنداً إلى دعم المجلس العسكرى له فى هذا الصراع، وهو ما أصابه بحالة من الاكتئاب بل ومقاطعة اللقاءات الدورية مع طنطاوى لعدة أيام بعد إجبار الأخير له على إجراء تعديل وزارى محدود يضم 4 وزارات كحل لأزمة السلطتين التشريعية والتنفيذية. لم ينس الجنزورى ما قام به الإخوان معه عندما كانوا أصحاب الأغلبية البرلمانية، وهو ما انعكس على لقائه الأول مع الرئيس مرسى، الذى بدا فاتراً محملاً بصراع شهور مضت، والذى لم يدم سوى 20 دقيقة قدم فيها الجنزورى التهنئة لمرسى بوجه «عابس» لينصرف بعدها مباشرة ويعود إلى مكتبه ليملى على وزرائه قبول استقالة الحكومة واستمرارها فى تسيير الأعمال لحين تكليف حكومة جديدة.