فى لقاء بين الرئيس الأسبق مبارك وبين لاعب الأهلى ومنتخب مصر السابق «مصطفى يونس»، صرح الرئيس الأسبق مبارك بأنه يحز فى نفسه كثيراً اتهامه بأنه قتل المصريين، وأنه لن يستريح حتى يحصل على البراءة من قتل المتظاهرين، وكانت جريدة «الوطن» قد نشرت نص اللقاء فى العدد الصادر يوم الجمعة 8 نوفمبر 2013، وقد استمرت زيارة السيد «مصطفى يونس» فى المستشفى لمدة قاربت الساعة ونصف الساعة ودار بينهما حديث طويل حول منتخب مصر وحول حكم الرئيس السابق مرسى وأشياء أخرى كثيرة كان أكثرها كذباً هو قول مبارك إنه كان قد ترك فى خزانة مصر أكثر من خمسين مليار دولار. والعجيب أنه يسأل فى براءة عن المكان الذى اختفت فيه هذه الدولارات، إلا أننا على أى حال لن نناقش كل ما ورد فى هذا الحديث الشخصى بين الرئيس الأسبق مبارك وبين زائره اللاعب السابق «مصطفى يونس»، والذى يهمنا الآن أن نحذر الناس من ذكاء هذا الرئيس الذى يريد أن يخدعنا مرتين كانت الأولى حينما تولى الرئاسة فصرح للناس بأنه يؤمن بأن «الكفن لا يحمل جيوباً» مما يشير إلى أن عصره سيكون عصر النزاهة والطهارة والعفاف، ولكنه كان ككل الفراعين والمستبدين بدا لطيفاً فى أول حياته الرئاسية ثم سرعان ما تحول إلى طاغية يقتل باليمين وبالشمال ولا يهتم إلا بحياته وحياة أبنائه، ويتعاون مع الفساد تعاون الشركاء، وقد قتلنا الرئيس حسنى مبارك بطرق مختلفة كان منها القتل بالسرطان، فقد شهدت مصر خلال حكمه لأول مرة دخول السماد المسرطن وتم اتهام وزيره «يوسف والى» فى تلك الجريمة، وأشارت إليه المحكمة فى حكمها الذى أصدرته على كبش الفداء الذى قدموه فداء لنجاة القاتل الحقيقى، إلا أن مبارك أوقف تحريك الدعوى الجنائية على وزيره فلما أتى اليوم الذى أطاح فيه مبارك بهذا الوزير «يوسف والى» فتح له الملفات كنوع من التهديد حتى يلتزم الصمت، فلما سلم الوزير بالأمر الواقع أُغلِقت الملفات كعادة عصابات اللصوص. وقتلَنا مبارك أيضاً ونحن نركب وسائل المواصلات التى من المفترض أن تكون آمنة فكانت وسيلة مواصلات المصريين إلى الجنة، فتارة يحترق بهم القطار وتارة أخرى يموتون بالآلاف على ظهر العبارات وتارة ثالثة تحترق بهم الطائرة فى الجو إثر صاروخ مجهول المصدر، فيقتل أفضل ضباط مصر على الإطلاق، وكان ذلك فى 19 أكتوبر 1999، ومع ذلك أمر مبارك بغلق كل هذه التحقيقات، أما العبارة التى أُغرِقت بفعل فاعل فقد تركوا الأمر لمحكمة الجنح وأطلقوا سماسرة التعويضات للصلح، بل لقد أصدر مبارك قانوناً خاصا لإنهاء الدعوى القضائية فى حالة التصالح، أما القتلة الحقيقيون الذين هم شركاء مبارك فقد خرجوا من قاعة كبار الزوار وسكنوا فى بيوتهم فى فرنسا وإنجلترا بينما أخفى الجميع عنّا الشريك الحقيقى للسيد ممدوح إسماعيل مالك العبارة الذى سهل له استخدام مثل هذه العبارة المتهالكة فى الموانئ المصرية. وقتلنا مبارك أيضاً بطريقة ثالثة فكان يرسل المصريين ليموتوا على أرض العراق لكى يقاتلوا لصالح أمريكا على أرض العراق ولتحقيق أهدافها، والقصة لمن لم يحضرها من شباب هذا العصر أن أمريكا كلفت «صدام حسين» الرئيس العراقى السابق بمحاربة إيران، واستمرت الحرب لمدة عشر سنوات انتصرت فيها إيران ولم يحقق صدام حسين أهداف حليفته أمريكا، ثم طلب صدام الأجر والمكافأة من أمريكا فأوعزت له باحتلال الكويت وبعد أن قام صدام باحتلال الكويت تدخلت أمريكا تحت راية حماية الكويت وقاتلت صدام قتالا شرسا استخدمت فيه القاعدة العسكرية القطرية، واستخدمت فيه استبداد مبارك وانفراده بالرأى فقدم لها مبارك أرواح المصريين لكى ينفذوا رغبة أمريكا فى القضاء على العراق، وأخيراً قتلنا مبارك بالسجون وبالتعذيب وبالأحكام الظالمة وبتلفيق التهم والقضايا وكم من أمهات أقمن الليل وهن يبتهلن إلى الله أن يشاهدن مبارك وهو خلف القضبان ذليلاً، فلم يرتدع حينما كان يسمع هذا الدعاء وقد وصل عدد الضحايا داخل السجون إلى ما يقترب من مائة ضحية معلنة قتلت جميعها خلال هذه الأعوام الثلاثين، وكان الشهيد «كمال السنانيرى» هو أول الشهداء فى عصره وكان آخرهم «محمد عبدالقادر» و«خالد سعيد» و«سيد بلال» وتفنن الرئيس مبارك فى ابتداع الحيل لإخفاء معالم الجرائم فقام بتخصيص جزء من النيابة العامة للتحقيق فى هذه الجرائم وأصدر التعليمات بعدم جواز التحقيق فى هذه الجرائم إلا بمعرفة النائب العام والقسم الذى ألحق بمكتبه، ولم يكن هذا القسم التابع للنيابة العامة إلا مقبرة لإخفاء أسماء القتلة والسفاحين وإخفاء اسم زعيم العصابة التى كان يصدر إليهم الأوامر. وأنا أقول للرئيس الأسبق حسنى مبارك: أرجوك لا تتحدث بلغة البرىء ولا تصطنع الطهارة فإنك لم تقتل المتظاهرين فى 25 يناير فحسب وإنما قتلت المصريين جميعاً، وقد جمعت فى أرشيفى أسماء أكثر من خمسة آلاف قتيل قتلوا جميعا فى عهدك ليس من بينهم شهداء 25 يناير، فإذا كنت تصر على أنك لم تقتل المصريين فإننا نذكرك بضحايا اللواء «زكى بدر» وزير الداخلية الأسبق، وأذكرك بأنك كنت ترفض صرخات المواطنين وشكاواهم من تلك الجرائم، إلا أنك كنت تصر على أن تحمى شريكك وصاحبك وزميل دراستك اللواء المرحوم «زكى بدر» فلما مات لم يمت التعذيب معه لأن صاحب قرار التعذيب والقتل الذى هو «أنت» ظل حياً يستخدم كل وزير للداخلية لكى ينفذ جرائمه وأوامره. إن أروع ما قيل فى هذا المقام هو ما قاله الراحل الأستاذ «أحمد نبيل الهلالى» وهو يترافع فى قضية التعذيب الكبرى التى أصدرت المحكمة حكمها فيها ببراءة أربعين ضابطاً، فقام الرئيس «محمد حسنى مبارك» بتكريمهم وتعيينهم كمحافظين ومنحهم المكافآت، أما مقولة «الهلالى» الخالدة فكانت كصوت الضمير فى تاريخ هذه الأمة وهى تقول «لا تصدقوا أن التعذيب جريمة يرتكبها الشاويش (عوكل) وإنما خلف كل (عوكل) نظام يأمره ورئيس يحميه وقاتل يستتر من خلفه».