فى جلسة محاكمة الرئيس المخلوع، كنت على موعد مع عصام العريان والبلتاجى وعبدالعاطى فى قفص الاتهام، لم أكن قاصداً مواجهتهم أو الرد عليهم، كنت حاضراً بذاتى أقرأ مشهداً من زاوية غير زاوية الجميع، باحثاً عن الحقيقة فى صدق وكذب وجوههم، أقترب من اللوحة وابتعد عنها لأحدد معالمها، عند دخولى إلى القاعة، كان أحمد عبدالعاطى يصلى فى ركن قريب من البلتاجى والعريان اللذين أصرا على رفع علامة رابعة وابتسامتهما المهزوزة لكل من يدخل القاعة. يبادلهم محامو الإخوان الموجودون فى القاعة دفاعاً عنهم، بهتاف هيستيرى مستمر بسقوط العسكر، وحين امتلأت القاعة، انتقلوا جميعاً إلى القفص الكبير الذى جلس فيه جمال صابر منكسراً وحيداً وكأنه يُعلن أنه ليس منهم، وبدأت مخاطبة البلتاجى والعريان لوكالات الأنباء وهذا حقهما، وهذه عقيدتى لم يستفزنى الكذب القصير والبهتان المحدود، حين أعلنا أن الدولة الخائفة خارج الأسوار، ونحن المطمئنون داخلها، وأننا موجودون فى القفص منذ صلاة الفجر ونُمنع من أداء الصلاة وكل الموجودين فى القاعة من رجال الشرطة والمخابرات، وأعلن البلتاجى أن لديه عشرة أسباب تؤكد عدم شرعية المحكمة وبطلان تشكيلها، لأن قرار المحاكمة من نائب عام تم تعيينه، مخالف للدستور من حكومة انقلابية ويستمر تصعيدهم للكذب إلى درجة أعلى، حين أعلن أن الملايين فى الشوارع لن تكف عن الثورة رغم المجازر والاعتقالات إلا بعد عودة الرئيس الذى نجله ونحترمه وعودة الشرعية، حتى وصل «العريان» إلى أكذوبته الكبرى التى فاض فيها صبرى وانفجرت شرايين الغضب داخلى حين أقسم أن الحكومة الانقلابية هى التى قتلت الآلاف فى رابعة والنهضة والحرس الجمهورى وقبلهم العسكر الذين قتلوا الجنود فى سيناء وأمام قصر الاتحادية، ومنهم الشهيد الحسينى أبوضيف الذى يحتسبونه شهيداً عند الله وكأنه شهيدهم وليس قتيلهم، والأولى بالمحاكمة الفريق أول السيسى واللواء محمد إبراهيم، حين أنهى حديثه لم أكن أفكر فى الدفاع عن أشخاص لكن هذا الكذب والافتراء على ارتكاب الجريمة وإلصاقها بغيره قد استفزنى كثيراً، قلت له يا دكتور أنت تكذب وتصدق كذبك، أحمد عبدالعاطى كان يصلى وقت وصولى القاعة ولم يُمنع أحد من الصلاة فى مصر، لم يسمع وتعالت صيحاتهم فى هيستيريا بالغة، كانوا يقصدون ألا يسمع أحد من وكالات الأنباء الحقيقة، قلت لهم أنتم لا تسمعون، اسمع كما استمعت إليك، لكنه لا يسمع وفى آذانهم وقر لا يسمعون بها، حين حاول تجريحى كما تعودوا، وسأل من أنت؟ بازدراء، قلت له أنا أشرف منك، وقالها البلتاجى لو راجل، قل لنا اسمك، قلت له أنا أرجل منك ومن جماعتك، أنتم تكذبون، أنتم القتلة وستحاكمون عن قتلاكم، أنتم الذين قتلتم أبناءنا فى سيناء ومحمد محمود وزرعتم الشر فى أرجاء الوطن، ستحاكمون أنت ورئيسك أمام قضاء مصر الشامخ العادل. لا أدرى كيف انهزموا أمام الحقيقة وانسحبوا بخزى إلى داخل القفص الصغير انتظاراً لرئيسهم المخلوع الذى بدا متماسكاً، لكنه يُخفى وراء ابتسامته وثباته المزيف اضطراباً نفسياً وخوفاً من مصير محتوم حين يواجه إرادة شعب خلعه وقدمه للمحاكمة العادلة. كنت سأقول لهم إننى مشفق عليهم، ليس من السجن فهم اعتادوا ذلك لكنى مشفق عليهم من غضب الشعب وكره الشعب لهم ولأبنائهم، كنت سأقول لهم أنتم تنحتون فى الصخر، فإرادة الأمة أقوى من البلطجة وأقوى من الإرهاب لكنهم لا يعقلون. يقول ربنا: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ».