على مقهى شعبى صغير بمدينة طما، التابعة لمحافظة سوهاج، جلس سالم أبوضيف -29 سنة- الشقيق الأصغر للشهيد الحسينى أبوضيف الصحفى ب«الفجر»، الذى استُشهد على أبواب قصر الاتحادية فى ديسمبر الماضى جراء الاشتباكات التى وقعت فى محيط القصر بين أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين ومعارضين للإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المعزول محمد مرسى أواخر نوفمبر الماضى. يجلس «سالم» وسط عدد من رواد المقهى الشعبى فى مواجهة شاشة التلفاز، لا يتوقف عامل المقهى عن تغيير القناة للانتقال إلى أخرى بين الحين والآخر لمتابعة أحداث محاكمة الرئيس المعزول، الذى يحاكَم بتهمة قتل المتظاهرين عند قصر الاتحادية، نفس الأحداث التى راح ضحيتها «الحسينى» قبل ما يقرب من عام كامل. بمجرد انتهاء فقرة البث المباشر من أمام أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس فى القاهرة الجديدة، وبدء القناة فى تحليل المشهد من داخل الاستوديو، يضغط عامل المقهى القابض على جهاز الريموت بسبابته للبحث عن بث مباشر من نفس المكان الذى يحاكَم داخل جدرانه الرئيس المعزول، تتعلق عينا سالم أبوضيف بشاشة التليفزيون لمتابعة فعاليات أولى جلسات محاكمة الرئيس السابق محمد مرسى، فضّل «سالم» متابعة محاكمة المتهمين بقتل شقيقه خارج البيت حرصاً على صحة والدته المريضة التى يقول «سالم» إنها «استعوضت الله فى ابنها الحسينى، وفوضت أمرها إليه، وتنتظر القصاص من الخالق وليس من البشر»، بعد أن أخفت الأسرة عنها أخبار المحاكمة خوفاً على صحتها من التدهور. وسط هدوء لا يقطعه سوى صوت التلفاز الممزوج بصوت سيارات المارة على الطريق أمام المقهى، وصوت القطار القادم من الجهة المقابلة، جلس «سالم» بجوار عمه ناصر أبوضيف، الرجل الستينى، شاخصة أبصارهما أمام لقطات تُبث من أمام الأكاديمية عبر شاشة التلفاز، تتسلل لوجوههم أشعة الشمس النافذة عبر أعواد «القش» المغطى بها سقف المقهى «ربنا أهو رجع حق أخوك يا سالم» يتحدث رجل صعيدى يرتدى جلباباً بلدياً موجهاً كلماته ل«سالم»، يبتسم «سالم» ويرد متمتماً: «الحمد لله»، يقطع ابتسامته فجأة ليقول: «بس الألم والحزن ومعاناة فقدنا للحسينى لم تتغير ولن تنتهى»، يرد الرجل عليه: «الحمد الله إن اللى قتله هيتحاسب»، يؤمن «سالم» على كلامه بعد صمت لبرهة: «أيوه الحمد الله إن العدالة بدأت تاخد مجراها الطبيعى، إحنا كنا استعوضنا ربنا، خصوصاً أنه أثناء حكم الإخوان كان من المستحيل أن يحاكم من قتل أخويا الشهيد». يتحول المقهى الشعبى، الذى يقع بجوار مستشفى طما العام بشارع أحمد عرابى على أطراف مدينة طما أحد أكبر مراكز محافظة سوهاج، إلى تجمع لمتابعة أحداث المحاكمة من بعض الأهالى، الذين قاموا بتهنئة «سالم» على بدء محاكمة قتلة شقيقه، واستقبلها «سالم» بترحاب، قائلاً لمهنئيه: «إن حق الحسينى الحقيقى هيوصل بعد صدور الأحكام على جميع المتورطين فى قتل أخويا»، مؤكداً ثقته فيما سماه «عدل القضاء» و«قدرته على تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين»، ومع رفع القاضى للجلسة، انصرف «سالم» بصحبة عمه من المقهى إلى البيت فى انتظار الجلسة الثانية.