أعتقد أن أسمى مهام الحكومة وأهم معاركها فى مرحلة ما بعد ثورتين، هو إرساء العدالة الاجتماعية، ولا يتوهمن أحد أن لدى حكومة الدكتور حازم الببلاوى عصا سحرية، بحيث «تبات نار تصبح رماد» أى أن تحل هذه الحكومة المشاكل والمعضلات والتحديات التى تراكمت على مدى العقود الأربعة الماضية فى أيام أو شهور أو حتى سنين، ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة. وجميعنا فى انتظار هذه الخطوة، الأولى على الطريق الصحيح. والواقع أن الشعب، وتحديدا أغلبيته المسحوقة قد انتفض لكرامته فى يناير 2011، وأول شروطها أن يجد قوت يومه، لأن من لا يملك قوت يومه، لا يملك حرية قراره.. وعندما أيقن هذا الشعب أن ثورته قد سُرقت ومعها أمله فى توفير القوت اليومى ولو فى حدوده الدنيا، بل والأدهى، أن وطنه ذاته على عتبة السطو عليه وتمزيقه إربا ثم توزيع أرضه على الأهل والعشيرة خارج الحدود، قام بتلك الثورة التى وصفها العدو قبل الصديق بأنها أكبر حشد بشرى فى تاريخ الإنسانية، وأطاح بمن خدعوه باسم الإسلام بادعاء أنهم «بتوع ربنا» وكانوا حريصين كل الحرص على استمرار حالة الاحتياج إلى «الكرتونة»، التى أوصلتهم بدون عناء يذكر بل وبثمن بخس، إلى كراسى السلطة.. والغاية من الثورتين هى بالقطع، أن يعيش المواطن حرا كريما فى وطنه وأن «يرفع رأسه فوق لأنه مصرى».. لكن المخيب للآمال، أن الدولة لا تعى على ما يبدو، أن أولى أولوياتها، هى أن ترفع، وبأسرع ما يمكن «كارت أحمر» فى وجه «الكرتونة» التى تعتبر السلاح الإخوانى الناجع، الذى عبّد للجماعة طريق الوصول إلى السلطتين التنفيذية، أى الرئاسة، والتشريعية، بفرعيها، الشعب والشورى، تمهيدا للتمكين من كل مفاصل الدولة ومؤسساتها الحاكمة، لولا تمرد المصريين، ثم ثورتهم. يقينا أن الجماعة لجأت إلى سلاح الدين والابتزاز باسمه عبر إيهام البسطاء بأن منح صوتك لأعضاء الجماعة وأنصارها هو طريقك إلى الجنة، والخروج عن ذلك لا يقتصر على خروجك من الجنة فحسب، بل هو سبيلك إلى نار جهنم عِدِل؟؟!! غير أن سطوة «كرتونة» الزيت والسكر والأرز التى قايضت بها جماعة الإخوان أصوات الناخبين كانت الحصان الرابح، بلا منازع، حيث تفاقمت حالة الفقر والعوز فى مصر، منذ انسحاب الدولة انسحابا شبه كامل منذ منتصف السبعينات وتواصل انسحابها إلى الحد الذى مكّن تنظيم الإخوان من التسرب، عبر هذه الثغرات، إلى الفقراء، بإقامة المستوصفات للعلاج وتوزيع الكراتين بالمواد التموينية الأساسية وإنشاء المدارس، التى روجت لفكر الإخوان حتى اعتاد تلاميذها غياب العلم المصرى، كما لم يسمع أى منهم السلام الوطنى، والدولة غائبة أو متواطئة.. وأتابع مثلى مثل بقية المصريين الجهود التى تبذل الآن استعدادا لانتخابات برلمانية ورئاسية، وأعرف أن بناء هذه المؤسسات أمر فى غاية الأهمية، ولكن الكارثة الحقيقية فى اعتقادى، أننا قد نستيقظ غداة هذه الانتخابات لنجد أنفسنا أمام أغلبية من أعضاء تنظيم الإخوان وأنصارهم، بواسطة المفعول السحرى للكرتونة الرهيبة.. فهل تتنبه الحكومة وترفع «كارت أحمر» فى وجه الفاقة والعوز ولو بالقدر الذى يبطل هذا المفعول؟ ويحاول البعض الآن إدخالنا فى متاهة جديدة حول شخص الفريق أول عبدالفتاح السيسى، قائد جيشنا الذى انحاز إلى الشعب فى معركة إنقاذ مصر من الضياع، فمن يحبونه يرون فيه عبدالناصر جديدا، ومن يكرهونه يرورن فيه عبدالناصر جديدا!!! ومن الكارهين الرئيس الأمريكى وأركان إدارته وحلفاؤهم من جماعة الإخوان، أعداء الستينات وما أدراك ما الستينات، حيث كانت الدولة تنحاز للفقراء، وحيث لم تظهر بالتالى «كرامات الكرتونة» بل لم يكن لها وجود من الأساس.. وهذا الشعب، وقد استعاد لحمته مع جيشه الوطنى وشرطته، وقضائه وإعلامه وقوته الناعمة وشبابه، الورد اللى فتح فى جناين مصر، قادر على عبور المستحيل، شرط أن يشعر بأن الدولة تعمل لخدمته وأن تلك هى مهمتها الأولى.. جربوا!!