مازال الناس يحبون عبدالناصر رغم مرور 42 عاما على وفاته.. أنا واحد من هؤلاء الناس البسطاء الذين يحبون عبدالناصر بل ويعشقونه! والناس فيما يعشقون مذاهب.. وحبى وحب غيرى لعبدالناصر لم يأت من فراغ.. كنا نشعر كطبقة متوسطة وما دون ذلك أن عبدالناصر واحد منا.. مهموم بهمومنا.. ويعمل من أجلنا.. كنا أطفالا عندما أمم قناة السويس.. وعندما كبرنا وبدأنا نعى وندرك ما يدور حولنا عرفنا أنه أقدم على تأميمها لكى يبنى السد العالى.. ولولا السد العالى لغرقت الأرض من الفيضان ولولاه أيضا لماتت من الجفاف! ولولا السد العالى ما عرفت قرى مصر ونجوعها الكهرباء.. ولو كان السد العالى هو المشروع القومى الوحيد الذى تبناه عبدالناصر طوال فترة حكمه لكفاه.. وعندما كبرنا عرفنا أن عبدالناصر لم يكن من أصحاب القصور أو من هواة امتلاكها! ولم نعرف عنه أنه سرق أو ارتشى! ولو كان قبل الرشوة التى أرسلتها إليه المخابرات الأمريكية ما كنا سنرى برج القاهرة واقفا فى مكانه! ومن المعروف أن عبدالناصر خصص مبلغ الرشوة لبناء هذا البرج ليظل شاهدا على مر التاريخ أن عبدالناصر كان نظيف اليد وذمته «انظف من الصينى بعد غسيله» وعندما كبرنا عرفنا أن عبدالناصر عندما أراد تجهيز ابنته للزواج استبدل معاشه مثل أصغر موظف فى الحكومة! كان يمكن لعبدالناصر أن «يغرف» من أموال الدولة ما يريد لتجهيز ابنته ولكنه لم يفعل لأنه عبدالناصر! طوال فترة حكم عبدالناصر التى امتدت ثمانية عشر عاما لم نر أو نسمع أن السيدة الفاضلة الراحلة زوجته حضرت احتفالا أو تصدرت المشهد فى افتتاح أحد المشروعات! كانت السيدة تحية كاظم رحمها الله كأى أم مصرية بسيطة تجلس فى بيتها لرعاية زوجها وأولادها.. عرفنا عبدالناصر على الدوام منحازا إلى جانب الفقراء ومحدودى الدخل ولا يقبل أن يجور أحد على حقوقهم.. هل رأيتم أو سمعتم عن رئيس يقيل حكومة لأن زيادة طفيفة طرأت على سعر سلعة! فعلها عبدالناصر وأقال الحكومة لأن سعر الأرز زاد على السعر المحدد قرش تعريفة! فى العيد الستين لثورة يوليو وهى بالمناسبة عدد سنين عمرى تمر بى مجموعة من المشاهد ستظل محفورة فى الذاكرة إلى أن يقضى الله أجلا كان مفعولا.. المشهد الأول لعبدالناصر وهو يعلن تحمله الكامل كقائد لنكسة 67 ويطلب من الشعب قبول تنحيه عن الحكم ولكن الشعب الذى أحب عبدالناصر ووثق به يخرج عن بكرة ابيه فى يومى التاسع والعاشر من يونيه يرفض هذا التنحى ويتمسك بعبدالناصر قائدا وزعيما وكان ذلك بمثابة تفويض من الشعب وتجديد الثقة فى عبدالناصر.. ثم كان المشهد الثانى إن لم تخنى الذاكرة يوم 23 نوفمبر عندما خطب عبدالناصر وقال قولته الشهيرة «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة».. وقد كان.. بدأت الخطوات الفعالة لإعادة بناء القوات المسلحة التى بدأت تستعيد الثقة بنفسها عندما خاضت معارك جزيرة شدوان واغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات وبدأت بناء قواعد الصواريخ استعدادا ليوم الثأر.. ولم يمهل القدر عبدالناصر ليشهد ذلك اليوم.. اختاره ربه إلى جواره فرحل عن عالمنا يوم الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 وكان مشهد جنازته استفتاء جديد من الشعب على حبهم لعبدالناصر وحزنهم على فراقه.. لم يكن عبدالناصر ملاكا أو قديساً ولم يكن شيطانا وإنما كان بشراً يصيب ويخطئ.. ولكنه كان فى كل الأحوال يعمل من أجل الناس.. كان المواطن المصرى أيام عبدالناصر له قيمة ولم يكن أى مخلوق فى أى بلد عربى أو أجنبى يقدر على إهانته! انحاز عبدالناصر للناس فأحبوه ومازالوا على حبهم له رغم مرور كل هذه السنوات على رحيله! ومن لا يصدقنى فليذهب إلى أى قرية أو نجع فى أى بقعة فى مصر ويسأل الناس هناك عن رأيهم فى عبدالناصر وهل مازالوا يحبونه أم لا! العيد الستون للثورة يأتى فى أجواء مختلفة وترقب من كل من يحبون عبدالناصر وهم بالملايين.. هل سيتم الاحتفال بالعيد الستين للثورة أم لا! وبناء على ما يحدث سيضع الناس النقاط على الحروف ورغم كل الظروف سيبقى حب عبدالناصر فى قلوب الذين انصفهم وما أكثرهم وهم وحدهم الذين سيتصدون لأى محاولة للنيل منه أو التعتيم على ثورة يوليو تم نشره بالعدد رقم 606 بتاريخ 23/7/2012