يقف إلى جوار سيارته التى كتب عليها بخط عريض «سيارة تكريم الإنسان» صامتا، ينظر إلى الجموع البشرية التى تتزاحم حول مشرحة زينهم والتى تتعالى أصواتها وتختلط ما بين الدعاء والرجاء والعويل، حزنا على ذويهم، ويردد الآية القرآنية التى اعتاد ترديدها يوميا كلما رأى هذا المشهد: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ». (النجم: 39). صمت سيد مصطفى، الذى يعمل فى مهنة «نقل الموتى» فى إحدى الجمعيات الخيرية، لم يكن سوى طقس اعتاد على ممارسته خشوعاً لرهبة الموت الذى لا يتوقف عند سن أو منصب، ورغم أن سنه لم تتعد ال18، فإنه لم يخشَ العمل فى تلك المهنة التى تتطلب صبرا وقوة تحمل لا يقدر عليها إلا القليل. أكثر ما يزعج «سيد» هو الوصف الذى يسمعه: «انت صغير قوى على المهنة دى»؛ فهو يعمل بهذه المهنة منذ أن كان فى الرابعة عشرة من عمره، لمساعدة أبيه فى الإنفاق على إخوته الصغار: «لا يقتصر عملى على نقل المتوفى فقط بل أحيانا أشارك فى الغسل والتكفين». مشاهدة ونقل المتوفين خلال أحداث الاشتباكات التى شهدها البلد مؤخرا جعلا «سيد» يتعاطف أكثر مع البسطاء الذين ليس لهم أى ذنب، وفقدوا حياتهم لمجرد وجودهم فى مناطق الاشتباك: «نص الناس اللى بتموت فى الشوارع ونقلناها مؤخرا مالهمش أى انتماء سياسى ولا ليهم أى علاقة باللى بيحصل». أكثر مشهد أثر فى نفسية «سيد» كان تكفين طفلين توأم لم يتجاوز عمرهما ثلاثة عشر عاما، توفيا خلال اشتباكات عنيفة شهدتها منطقة أبوالريش بين الأهالى والإخوان المسلمين، بالإضافة إلى مقتل شخص برصاصة اخترقت صدره وهو يشاهد أحد الاشتباكات من شرفة منزله: «كان قلبى بيتقطع وقتها، ودموعى نازلة زى الحنفية، وقلت: حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى يموت روح بريئة ملهاش ذنب». صعوبة بعض الحالات دفعت «سيد» ورفاقه إلى تقديم بعض «الأكفان» وخدماتهم مجانا لمن لا يملك شراء كفن: «ريحة الموت بقت فى كل حتة، مش قدام المشرحة بس، يا ريت الناس تخاف على بعضها وتسيبها من السياسة، السياسة ليها ناسها، والناس الفقرا مالهومش إلا ربنا، لا مسئول هينفع ولا سياسى هينفع، المهم نخاف على بعض ونخاف على مصر عشان الأرواح اللى بتُزهق فى الشوارع والدم اللى مالى كل الشوارع فى مصر».