حكم الإخوان مصر عاما واحدا، فكان الفشل حليفهم.. قالوا إنهم يحملون مشروعا إسلاميا، فكانوا ترجمة سيئة لقيم الإسلام وتعاليمه، وأعجز من أن يقدموا للمصريين والعالم نموذجا على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى، يليق بصورة الإسلام الزاهرة.. حمل ذلك العام، وما بعده، تجربة مريرة وبائسة، حيث ضاعت معالم كثيرة واهتزت قيم أصيلة، كانت أهم من الوصول إلى السلطة.. ما يهمنا فى هذه العجالة هو أن نعرض لأهم القواعد والأصول، فى محاولة لاستعادة ثقتنا فى هذا الدين الذى نُكِب فى فصيل من دعاته. (1) إن أعظم ما فى الإسلام أنه ليس دين كهنة ولا كهنوت، إذ لا واسطة بين العباد وربهم، وإنه ليس لأحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم أن يملك حق التحدث نيابة عن الله، كما أنه ليس هناك من معصوم سوى الأنبياء والرسل الكرام، وكل من عداهم بشر يصيبون ويخطئون، وإن الإسلام قد اكتمل قبل وفاته صلى الله عليه وسلم.. يقول تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا».. لا يغيب عن أذهاننا أن هناك فرقا بين رجال الدين (أو بمعنى أدق رجال العلوم الشرعية) وبين الدين نفسه، وأن الأزهر -بتاريخه العريق- يعد مرتكزا أساسيا للدعوة الوسطية فى نشر قيم الإسلام وتعاليمه فى مصر والعالم، وتوضيح معالم الحلال والحرام، والاجتهاد فيما يخص القضايا الإسلامية المعاصرة التى تهم الدولة والمجتمع، وهكذا.. كما لا يغيب عن أذهاننا كذلك، أن الجماعات الموجودة على الساحة هى جماعات من المسلمين، ولا تزعم جماعة منها أنها جماعة المسلمين، أو تدعى احتكارها للإسلام، وإنما هى تعرض فهمها للإسلام (من النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية) وبالتالى يمكن أن تكون محلا للنقد والاختلاف.. ولا حرج على أى مسلم أن يكون داخل أى من هذه الجماعات، أو أن يكون خارجها، المهم أن يكون بين الجميع تعاون على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، فضلا عن الحفاظ على وحدة الشعب والوطن. (2) إن إقامة العدل بين الناس هو الهدف الأسمى للإسلام، وهو جوهر الشريعة الإسلامية، وقد جاءت فى ذلك نصوص كثيرة، أجل من أن تحصى.. يكفى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ».. وقوله: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ».. وقوله «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ».. وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها».. وقوله: «يوم من إمام عادل، خير من عبادة ستين سنة».. ومن أجمل ما قيل على لسان أحد علماء السلف (بن تيمية): «إن الدولة العادلة تبقى وإن كانت كافرة، وإن الدولة الظالمة تفنى وإن كانت مسلمة». إن شريعة الإسلام لا تعمل فى فراغ، وإنما فى بيئة ومناخ إيمانى، لذا جاءت الأحكام مرتبطة ب«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا».. وهى من جانب آخر، تسعى للارتقاء بمنظومة القيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية الرفيعة، ليس قهرا أو قسرا، وإنما بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى يتحقق القبول والرضا.. وفى هذا يجب أن يقدم الدعاة من أنفسهم مثلا ونماذج يحتذى بها، فى الصدق والتقى والورع وحسن الخلق، والتواضع، والإحسان إلى الناس، فضلا عن العلم والفهم والفقه.. إن الشريعة تستهدف صياغة المجتمع وتشكيله وبناءه على أسس من التعاون والتكافل والتكاتف والتماسك والتواد والتعاطف والتراحم، حتى يغدو المجتمع قويا عفيا عزيزا حرا أبيا. (3) إن الحرية من فرائض الإسلام، وأصل من أصوله.. يقول جل وعلا: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ».. وقوله: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ».. وقوله: «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟».. وهل ينسى التاريخ مقولة الفاروق عمر لعمرو بن العاص رضى الله عنهما فى الحادثة المشهورة: «أيا عمرو.. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!».. إن الحرية مقدمة على الديمقراطية، إذ لا ديمقراطية دون حرية. ونقصد بالحرية حرية العقيدة، والفكر، والتعبير، والنقد، والتملك، والانتقال، والتجمع، والتظاهر السلمى، وتداول المعلومات، وحرية الصحافة والإعلام، وحرية اختيار الحاكم، ونواب الشعب وممثليه.. إلخ. ولصيانة هذه الحرية لا بد من وجود مؤسسات تشريعية، وقضائية، وتنفيذية، مع فصل وتوازن حقيقى بينها، بحيث لا يسمح لسلطة بالتغول على سلطة أخرى. وفى إطار هذه الحرية، يصبح مواطنو الدولة -على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم وجنسياتهم- متساوين فى الحقوق والواجبات أمام القانون (حقوق المواطنة)، لا فرق بين وزير وخفير، ولا بين مسلم ومسيحى. (4) إن الإسلام رسالة عالمية، تحمل الحق والعدل والحرية والخير لبنى الإنسان، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم مبعوث الهداية والرحمة للبشرية كلها.. مصداق ذلك قوله تعالى: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا».. وقوله أيضاً: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. ومع ذلك فالإسلام لا يتصادم مع الحضارات الأخرى، بل يأخذ منها ويضيف إليها.. و«الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها».. كما أنه يحض على التعارف بين الشعوب والتواصل معها.. يقول جل وعلا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».