خبر صغير لكنه عظيم الدلالة، جاء فيه: «تمكّن شخص ملتحٍ من جمع أكثر من 36 مليون جنيه من أهالى عزبة محسن الكبرى بالإسكندرية لتوظيفها فى المقاولات وتربية الماشية، ثم فرّ هارباً، بعد الإبلاغ عنه». والسؤال: كم «رياّن» ظهر فى هذا البلد منذ عصر «الريان» الكبير إلى هذا «الريّان» الأخير، أعتقد أنهم كثر! فى كل مرة يخرج شخص -ملتحٍ فى الأغلب- فيجمع المال من الحالمين باستثمار مالهم، ومهما حاول البعض إقناع «الفريسة» أن هذا الشخص «ينصب» عليهم فإنهم لا يسمعون، وتكون النهاية ضياع «تحويشة العمر» فى سيّالته. والسؤال: لماذا يتواصل مسلسل الريان فى حياتنا منذ الثمانينيات وحتى الآن؟ قد يقول قائل إن السبب الأول فى ذلك يرتبط بقناعة بعض المصريين بأن فوائد البنوك حرام، ورغم صدور فتاوى من المؤسسات الإسلامية الرسمية تحلل هذه الفوائد، إلا أن هؤلاء لا يأبهون لها، لإحساسهم بعدم مصداقية هذه المؤسسات بسبب تبعيتها للسلطة الرسمية. قد يكون هذا السبب مهم، لكنه فى رأيى ليس الأهم، لأن الهاجس الدينى ليس الأكثر حسماً فى مثل هذه الأحوال، بل مجرد بوابة للوقوع فى شباك «توظيف الأموال». تلك «الخيّة» التى تبدأ بظهور شخص -مطلق اللحية- ويعلن أنه يستثمر الأموال نظير أرباح «حلال بلال»، انطلاقاً من قاعدة الشراكة فى المكسب والخسارة، والمواطن «الحدق» يفهم أن الخسارة غير واردة بالطبع، وأن ذكرها عند الاتفاق لا يشكل سوى محاولة ل«تديين» الصفقة، أو إصباغها ب«الصبغة الدينية». وهو أمر مطلوب من الناحية النفسية بالنسبة لمن يقدم أمواله، لأن مراعاة الله فى استثمار المال تمنحه «البركة» فيزيد أكثر وأكثر! السبب فى استمرار «الحالة الريانية» فى حياتنا يرتبط بسمتين أساسيتين يميزان بعض المصريين، هما: الطمع والكسل. والطمع فى المزيد من المال أمر إنسانى. فكل الناس تقول هل من مزيد إذا تعلق الأمر بالمال، ومن السهل جداً أن يميلوا إلى شخص غير موثوق يحصلون منه على فوائد أكبر على مدخراتهم، فى الوقت الذى يحجمون فيه عن وضع أموالهم فى البنوك الموثوق بها، لأنها تعطى فوائد محدودة. ومؤكد أن من يلعب اللعبة «الريانية» حالياً يسهل عليه أن يشكك فريسته فى البنوك الحكومية التى تسحب من أموال المودعين ليل نهار كى تسد العجز فى الموازنة. والكل يعلم أن الكثيرين أصبحوا يميلون -خلال السنوات الأخيرة- إلى الإحجام عن إيداع مدخراتهم فى البنوك بسبب الشائعات التى تتحدث عن إمكانية إفلاسها. ولو أنك أضفت عامل الكسل إلى الطمع فسوف يكون حاصل الجمع مساوياً «إنسان لا يريد الاجتهاد»، يتصور أن عبقرية الحياة تتحدد فى تحقيق مكاسب دون تعب، بعد أن أرهق نفسه فى رحلة «التحويش». وعدم الاجتهاد يُفقد الإنسان روح المجازفة فيتردد فى الدخول فى مشروعات حقيقية لاستثمار مدخراته، ويفضل تقديمها عن طيب خاطر ل«نصّاب». فى ظل هذا المناخ يخسر الجميع ويفوز النصّابون!