شكراً للقواتِ المسلحة أن تحركت أخيراً لنجدة قرية «دلجا» المنكوبة من الاحتلال الإرهابى المنحطّ. وإن رجونا لو تحركت أسرع، قبل إراقة الدم وسحق الكرامة وحرق دور العبادة وتشريد العباد. نعلم حجم المعارك الهائلة التى يخوضها جيشنا الجسور فى سيناء الآن. لهذا ربما يتأخر عن نجدة بقية محافظات مصر. لكن «كلَّ» مصرَ، لم يعد لها -بعد الله- سوى الجيش ليحميها من عدو وحشى تغلغل فى مفاصلها الطيبة. قريةٌ وادعة وقعت نهباً لوحوش كواسر من مرتزقة السفاحين. أمسى الصعيدُ بمدنه وقُراه ونجوعه وحقوله، لقمةً سائغةً للغُزاة، يُهلكون زرعَه، ويُشرّدون أهله، ويُهجّرون مَن شاءوا، ويأخذون الإتاوات و«الفِردَة» بالبلطجة من الأقباط، بعدما أعطوها مسمًى تراثياً قرآنياً: «الجِزية»، ليضحكوا على عقول بسطاء لا يعرفون أسباب نزول الآية 29 من سورة «التوبة». بلطجية كما تاجروا بالدين، وبدماء الشهداء، يتاجرون اليوم بالمعلومة المغلوطة. وكل هذا طبيعى، لأنه طبيعة عملهم. مثلما طبيعىٌّ أن يسرقَ اللصُّ، ويقتلُ السفاحُ، ويكذبُ الكذوب. أما غير الطبيعى وغير المفهوم هو: لماذا تترك دولةٌ ذاتُ سيادة؛ اللصَّ يسرق، والقاتلَ يقتل، وبالبلطجى يروّع الآمنين؟! «الفتنة الطائفية»، هى أن تبغى طائفةٌ على طائفةٍ تختلف عنها عَقَدياً. أما «الاضطهاد الدينى»، فهو ألا تحمى الدولةُ الطائفةَ المُعتدَى عليها، بل تسمح للفئة الباغية أن تمارس غيّها وبَغْيها وتعيث فى الأرض فساداً وضلالاً وقتلاً ودماراً وقلّة أدب. فهل نسمحُ بهذا بعد أهول ثورات الأرض: 30 يونيو؟ عارٌ علينا إن تركنا الأقباطَ يدفعون فاتورة الحرية كاملة، على هذا النحو، ونحن نعلم أنهم مأمورون، فى كتابهم، بالسلام والمحبة حتى مع مَن بغى وتجبّر وأساء وطرد وعاير وصفع وقتل. هل ننسى أن كلَّ أسرة مصرية مَدينةٌ لراهبة ما علّمت أبناءهم، أو طبيب مسيحىّ خفّف أوجاع مريضهم، مثلما مصرُ مَدينة لدماء أُهرقت فوق ثراها الطاهر لأقباط مصريين مسيحيين ومسلمين؟ *** أصدر وزيرُ التعليم العالى الإخوانى السابق قراراً بتفعيل «الضبطية القضائية» فى الجامعات، لكى يضمنوا خنق أى صوت جامعىّ معارض للفاشية الإخوانية وحكم مرسى. وكانت خطة لإعادة شبح الدولة البوليسية وأمن الدولة على نحو أكثر فوضوية وشراسة. أما الفوضوية، فلأن الذى سيقوم بتطبيق الضبطية شخصٌ غير مؤهل، قد يكون حارساً أو فرد أمن لا يعرف أصول التعامل مع الإنسان، خصوصاً فى تلك المرحلة العمرية الحرجة. وأما الفاشية، فلأن الضبطية كانت ستتم لصالح تنظيم الإخوان الفاشى الإرهابى. ثم انقلب السحرُ على الساحر وسقط الطغاةُ من حالق غير مأسوف عليهم، بعدما لفظهم الشعبُ المحترم المثقف. والآن أحدث هذا القرار لغطاً فى الشارع المصرى بين مؤيد ومعارض. أعلم أن هذا العام الدراسى سيكون عسِراً وقد تنتشر فى ساحة الجامعات ومدرجاتها ألوانٌ من الشغب والفوضى يجب الاحتراز لها من الآن. ولكنى لا أميل إلى الحلول الأمنية، طالما ما زال متاحاً توسُّلُ الحلول الفكرية التربوية. يجب احتواءُ الطلاب ومعالجة التشوشات الفكرية التى زُرعت فيهم على مدى عامين من حكم الإخوان، وأن يتم هذا الاحتواء والتأهيل الفكرى على نحو علمى صحّى. أبناؤنا الطلاب من أنصار المعزول، قد مورست عليهم عملياتُ تضليل معرفى ممنهج، بعدما صدقوا مضلِّلين من أمثال أبوإسلام ووجدى غنيم وعبدالله بدر وحازم شومان الذى خطب فى جامعة القاهرة العام الماضى يحضّ الطالبات على المكوث فى البيت، وانتظار العريس، ويحث الطلابَ على الزواج بأكثر من فتاة! وأفهمهم أن العلمانية كفرٌ، والديمقراطية تعنى التعرّى وخلعَ الحجاب. نحتاج أن نعيد ترتيب أفكار أبنائنا التى تشوهت، بدلاً من اعتقالهم. فهم، فى الأخير، ضحايا وليسوا مجرمين.