لست من متابعى «توفيق عكاشة» ولا قناة الفراعين ككل، لكننى أعلم أن كثيرين يروقهم الأسلوب «العكاشى» بتناول الأحداث بطريقة تشبه «أحاديث المصاطب»، مع كامل احترامى لمن يجلسون على «المصاطب» ويأنسون بالحديث فى ظلالها. وصراحة فقد فوجئت أشد المفاجأة حين صدر قرار بوقف تردد «الفراعين» على «النايلسات» وتسويد شاشتها، ولم يكن جوهر المفاجأة بالنسبة لى متعلقاً بإغلاق القناة، فما أكثر ما أغلقت قنوات، خلال فترات سابقة، رغم تعارض ذلك مع أبسط قواعد حرية الرأى والتعبير، بل تعلق بالأسباب التى ساقها مصدر مسئول بالهيئة العامة للاستثمار-كما نشر موقع صحيفة الوطن- فى سياق تفسيره لقرار إغلاق القناة، فقد قال: «أرسلنا للقناة إنذارين سابقين بضرورة الالتزام بالمواثيق الإعلامية المعروفة ومنع السباب والشتائم والألفاظ الخارجة التى تخرج من بعض مذيعيها وضيوفها، إضافة إلى توجيه تهم للمواطنين بالخيانة والعمالة دون أدلة موثقة، ولهذا اتخذت الهيئة قرارها بإيقاف القناة مؤقتا». وحقيقة الأمر أن الأسباب التى تمحك بها هذا المصدر المسئول تشهد بامتياز على أن مؤسسات هذه الدولة لا تجيد فى شىء سوى «صناعة الفشل». وموضوع صناعة الفشل سيكون لى معه وقفات مطولة خلال الأيام القادمة إن شاء الله، لكن دعنى أشرح لك كيف يعد هذا المصدر المسئول ابناً ل«مؤسسة الفشل» التى تكبس على أنفاسنا منذ عقود مضت. لقد أراد الرجل أن يفسر إغلاق القناة بالتركيز على موضوع خروجها على ميثاق الشرف الإعلامى.. كلام جميل، لكن ما أوجه الخروج على بنود هذا الميثاق؟ يجيب المصدر المسئول: السب والشتم والاتهامات المرسلة بالخيانة والعمالة.. كلام لذيد! ولكن هل القنوات الأخرى لا تفعل ذلك؟ ألا تسب وتشتم وتسفه وتحرض وتكفر وتتهم بالخيانة والعمالة؟ أتحداك أن تأتى لى بقناة تليفزيونية واحدة بريئة من تلك التهم. لن تستطيع فى كل الأحوال، هل تدرى لماذا؟ لأن هذه العاهات فى الخطاب الإعلامى ارتبطت بالفترة التى بدأت فيها وسائل الإعلام المختلفة تشمر عن ساعد الجد لإسقاط «مرسى» وجماعته، حين شاع خطاب لا يتسم بالعقلانية، بحيث يعتمد على كشف فشل «مرسى» وجماعته فى استحقاق الحكم، قدر ما سيطرت عليه حالة الهوس التى سيطرت على الإخوان عندما أحسوا أن الشارع يرفض استمرارهم، فأخذوا يكفّرون ويحرضون ويسبون ويشتمون ويتهمون بالعمالة والتخوين، فأخذت القنوات الأخرى تسدد لهم ضربات مماثلة، برعاية بعض مؤسسات الدولة. وليس أدل على ذلك من أن «عكاشة» كان يصف نفسه بأنه «مفجر ثورة 30 يونيو»، وهو الذى دعا الشعب لمنح الفريق «السيسى» رتبة «مشير»، ثم فوجئنا بهجومه عليه بعد ذلك. هل من العقل أن تفسر هيئة الاستثمار معاقبتها ل«عكاشة» بمجرد أنه كان «يرقص» وسط مجموعة من «الرقاصين»؟ هل من العقل أن ننسى من كان «يطبّل» له؟ عجيب جداً أن يتصور المسئول أن عقل المواطن مثل عقله، لا يا سادة.. المواطن فاهم ومتابع وعارف «سرسر» هذا القرار كويس!