ظلوا فى انتظار الفرج، غاب القطار أكثر من اللازم، احتشد الجميع على ذلك الرصيف المدون عليه عبارة اتجاه «الجيزة».. يتأفف رجل صعيدى معمم وهو ينظر إلى ساعة يده، ويراوح ذهابا وعودة بين كرسيه على الرصيف وبين النظر صوب القضبان عسى أن يأتيه نور القطار المرتقب، جاءت إشارة من الرصيف المقابل بأن المترو المتجه لشبرا به عطل، «بيقولك فى ناس سرقت الكابلات» يقولها أحد الشباب فور وصول رسالة على تليفونه المحمول، فيرد آخر «مش مهم.. إحنا اتجاه الجيزة.. بس المترو اتأخر زيادة عن اللزوم». صوت الإذاعة الداخلية يدوى فى المكان: «على الركاب المتجهين لمحطة شبرا انتظار تصليح العطل»، الأعداد تتزايد على الرصيف، دقيقة ويصل المترو، يسير على مهل، مكتظا عن آخره، يحاول الموجودون دس أنفسهم وسط الركاب، غير أن محاولاتهم باءت بالفشل «هما مش قالوا الاتجاه التانى هو اللى عطلان.. ليه اتجاه الجيزة كمان زحمة كده» فيسخر شاب عشرينى: «يا سيدى البلد كلها عطلانة»، يطوى الجريدة بين يديه قبل أن يتجه صوب صديقه قائلاً: «أنا هركب المترو اللى هييجى حتى لو فيه موت.. أنا كده اتأخرت ساعة على الشغل» صوت الإذاعة الداخلية مرة أخرى يردد عبارة «القطار المتجه للجيزة لن يتجاوز محطة جامعة القاهرة» يتذمر معظم الموجودين، فيما يهدئ روعهم أحد المسنين: «يا جماعة قضا أخف من قضا.. نبقى نركب أى مواصلة من هناك». مع قدوم القطار يدخل كل الواقفين على الرصيف فتتحول العربة الأخيرة لما يشبه الفرن من شدة الزحام والحر، يحاول الركاب الاستعانة بالضحك لتسلية أوقاتهم: «رمضان كريم يا رجالة.. كلها دقايق ونوصل»، صوت فرملة قبل محطة «مسرة» يعيدهم إلى حالة القلق: «إيه شكله هيعطل تانى»، دقيقة ويعاود السائق السير بشكل بطىء للغاية، فى كل محطة يتوقف فيها القطار، تفتح الأبواب فيستغل الركاب تلك الثوانى لالتقاط أنفاسهم بعدما لاصقت وجوههم زجاج الأبواب من شدة الازدحام. فى محطة «الشهداء» يركب رجل أربعينى ويحذر: «يا جماعة المترو آخره التحرير» يتوقف القطار مرة أخرى دون سبب فينهض شاب من جلسته قائلاً بإحباط: «بس هو يوصل فى يومه»، يفاجأ الشاب والركاب بأن قطارهم يسير عكس الاتجاه، وكأنه فى الاتجاه المقابل، هنا يدب القلق فى نفوسهم، عسى أن يصطدم بقطار آخر قادم أمامه، يتوقف القطار فى محطة التحرير «السادات» وتطالب الإذاعة الداخلية ركابه المتجهين لشبرا بضرورة المغادرة، لتبدأ رحلة معاناتهم مع الخروج من تحت الأرض للبحث عن مواصلة تقلهم لقضاء مصالحهم فى وهج الشمس الملتهبة.