يؤكد الشيخ على عبدالرازق فى كتابه المهم «الإسلام وأصول الحكم» أن الأصل فى الخلافة عند المسلمين أن تكون راجعة إلى اختيار أهل الحل والعقد، والبيعة الاختيارية، أما الملك فمن الطبيعى أن يقوم فى كل أمة على الغلب والقهر. وقد هبطت الخلافة فى تاريخ المسلمين إلى ملك لأنها «لم ترتكز إلا على أساس القوة الرهيبة، وأن تلك القوة كانت، إلا فى النادر، قوة مادية مسلحة». وهذا يخالف جوهر الإسلام، الذى يؤمن بالمساواة بين سائر البشر، ويمنع عبوديتهم لغير الله، و«من الطبيعى فى أولئك المسلمين الذين يدينون بالحرية رأيا، ويسلكون مذاهبها عملا، ويأنفون الخضوع إلا لله رب العالمين، ويناجون ربهم بذلك الاعتقاد فى كل يوم سبع عشرة مرة على الأقل، فى خمسة أوقاتهم للصلاة. من الطبيعى فى أولئك الأباة الأحرار أن يأنفوا الخضوع لرجل منهم أو من غيرهم ذلك الخضوع الذى يطالب به الملوك رعيتهم إلا خضوعا للقوة، ونزولا على حكم السيف القاهر». ويستعرض عبدالرازق بعض الأدلة على فساد الحكم واستبداده بعد الخلافة الراشدة، ثم يبدى مرونة عالية فى تصور شكل الحكم فى الإسلام، فيقول: «إن يكن الفقهاء أرادوا بالإمامة والخلافة ذلك الذى يريده علماء السياسة بالحكومة كان صحيحا ما يقولون، من أن إقامة الشعائر الدينية، وصلاح الرعية، يتوقفان على الخلافة، بمعنى الحكومة فى أى صورة كانت الحكومة، ومن أى نوع. مطلقة أو مقيدة، فردية أو جمهورية، استبدادية أو شورية. ديمقراطية أو اشتراكية أو بلشفية، لا ينتج لهم الدليل أبعد من ذلك. أما إن أرادوا بالخلافة ذلك النوع الخاص من الحكم الذى يعرفونه فدليلهم أقصر من دعواهم، وحجتهم غير ناهضة». ويذهب عبدالرازق إلى أبعد مدى فيقول: «ليس بنا من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا، ولا لأمور دنيانا. ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام وعلى المسلمين وينبوع شر وفساد». وينتقل عبدالرازق إلى شرح وجهة نظره حول «نظام الحكم فى الإسلام» فينطلق ابتداء من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمارس نوعا واضح المعالم من الحكم، أو السلطة السياسية، فيقول: «وجدنا عند البحث فى نظام القضاء فى عصر النبوة أن غير القضاء أيضا من أعمال الحكومات ووظائفها الأساسية لم يكن فى أيام الرسالة موجودا على وجه واضح لا لبس فيه، حتى يستطيع باحث منصف أن يذهب إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعين فى البلاد التى فتحها الله له ولاة مثلا لإدارة شئونها، وتدبير أحوالها وضبط الأمر فيها. وما يروى من ذلك فكله عبارة عن توليته أميرا على الجيش أو عاملا على المال أو إماما للصلاة، أو معلما للقرآن، أو داعيا إلى كلمة الإسلام. ولم يكن شىء من ذلك مطردا، وإنما كان يحصل لوقت محدود.. ومن المؤكد أننا لا نجد فيما وصل إلينا من ذلك عن زمن الرسالة شيئا واضحا يمكننا ونحن مقتنعون ومطمئنون، أن نقول إنه كان نظام الحكومة النبوية».