«المحاجر بتقفل وأصحابها بيشغلوها فى الخفاء، والأجور نزلت النص.. هنأكل ولادنا منين؟!»، سؤال طرحه محمد عنتر، رئيس عمال بمحجر، بلسان آلاف العمال فى قطاع المحاجر شرق النيل فى المنيا، بعد أن لحقت بهم أضرار جسيمة جراء غلق عشرات المحاجر التى كانت المصدر الوحيد لرزقهم والإنفاق على أسرهم. «عنتر»: «المحاجر بتقفل وأصحابها بيشغلوها فى الخفاء.. والأجور نزلت النص.. ومش عارفين نأكل ولادنا منين» ويقول «عنتر»: «كل ما أبص لأولادى بيتقطع قلبى وتصعب علىّ نفسى، بعد أن تم غلق المحجر الذى أعمل به، مع عدد كبير من المحاجر مرة واحدة لقربها من مدينة المنيا الجديدة»، ويضيف: «نعمل فى مهنة الموت، وتصل نسبة الإصابات بين عمال المحاجر إلى 100%، فلا ينجو عامل واحد من الجروح بسبب العمل فى بيئة شاقة واستخدام معدات خطرة منها الفصالة وهى التى تستخدم فى نزع المادة الخام (البلوكات الحجرية)، من سطح الأرض، والحشاشة التى تقطع البلوكات إلى أجزاء متساوية لتكون الشكل النهائى للبلوكة (الطوب الأبيض)، المستخدم فى البناء». «ممكن الواحد يطلع الصبح ومايرجعش بيته»، هكذا يتحدث على مصطفى، من قرية طهنا الجبل، وهو عامل بمحجر كائن بالطريق الصحراوى الشرقى، ويعدد المخاطر التى يتعرض لها وزملاؤه أثناء العمل بالمحجر، ويقول: «أدرك حجم الخطورة، لكن المحاجر هى السبيل الوحيد للعيش لأهالى قرى شرق النيل بالمنيا، ولم تقتصر هذه العمالة على الكبار فحسب، بل إن مئات الأطفال كانوا يقصدون المحاجر من طلعة الفجر وحتى الظهيرة لمساعدة أسرهم الفقيرة». وأضاف: «8 ساعات من العمل الشاق ب80 جنيهاً، أى سعر الساعة فى الجبل ب10 جنيهات، ورغم ذلك باشتغل يوم وأسبوع لأ، ففى الفترة الأخيرة نتفاجأ كثيراً بحملات ومطاردات أمنية تطالبنا بإخلاء المحجر، وعندما نشاهد اقتراب القوات كل منا يهرب ويفر فى الدروب الجبلية وينجو بنفسه خشية إلقاء القبض عليه، وما باليد حيلة، فأنا مضطر ومقدرش أرجع البيت بدون رزق أسرتى المكونة من 4 أطفال وأمهم». وتابع «مصطفى»: «مشكلة أصحاب المحاجر مع الحكومة الخاصة بإنهاء إجراءات الترخيص وخلافه ليس لنا أى ذنب فيها فنحن عمال بالأجر اليومى، ومنذ طفولتى اعتدت الصعود مبكراً إلى الجبل للعمل فى المحجر، ولو وجدت فرصة عمل أخرى لن أتردد فى ترك هذه المهنة الشاقة، خاصة بعد أن شاهدت الكثير من زملائى يتعرضون لإصابات بعضها يتسبب فى عاهات مستديمة دون الحصول على أى تعويض مالى من أصحاب المحاجر أو حتى الحكومة، لأن عمال المحاجر ليس لهم تأمين صحى أو اجتماعى، ويعملون بالأجر اليومى حيث لا يتم إبرام عقود عمل دائمة لهم تضمن حقوقهم مع أصحاب المحاجر وتشعرهم بالاستقرار». خالد أحمد، من قرية الشرفا، يتحدث عن معاناته فى العمل بالمحاجر التى تسبب أمراضاً مزمنة، قائلاً: «انظر إلى العفار الذى يملأ ملابسى جيداً وستعرف حجم الجحيم الذى أتعرض له أثناء العمل، الغبار والتراب يخنقنى من جميع الاتجاهات، وأعانى طوال الليل من ضيق التنفس والكحة التى توقظ زوجتى وأطفالى الصغار، ولا يمر شهر واحد دون أن أذهب إلى طبيب صدر ينصحنى بأن أبحث عن عمل بعيد عن المحاجر ويكون ردى المعتاد عليه إيدى على كتفك يا دكتور، دلنى على مكان أشتغل فيه وأنا هاجرى عليه حالاً». وأضاف: «سبق وتركت قبل عامين المحجر الذى أعمل به بعد أن شعرت بأننى لا أسمع جيداً لأن أصوات الماكينات والمعدات هنا مزعجة وتكاد تخرم طبلة أذنى، والتلوث السمعى يملأ كل أرجاء المنطقة، وحينما طلب منى أحد السائقين الذى يقوم بتحميل سيارته بالبلوكات الحجرية أن أعمل معه كتباع لكن بأجر متدنٍ للغاية لم أتردد، ولكن كنت أحصل على أجر يومى لا يزيد على 50 جنيهاً، وهذا المبلغ غير كافٍ بالمرة لسد احتياجات أسرتى فأكملت معه أسبوعين ثم عدت للعمل مر أخرى بالمحجر أسير خلف الفصالة». «مصطفى»: «المحاجر هى السبيل الوحيد لأكل العيش لأهالى قرى شرق النيل.. وممكن العامل مايرجعش بيته» «أصبحت عاطلاً بعد توقف المحجر»، هذا ما يقوله خلف محمود، عامل بمحجر، ويوضح أن جميع شباب قرى شرق النيل «انقطع عيشهم»، فأصحاب المحاجر، حسب قوله، يغلقون محاجرهم ويسرحون العمال، حتى أصبحنا لا نجد العيش الحاف، مضيفاً: «أصحاب المحاجر بدأوا إنزال الآلات من الجبل وبيعها خردة بمصانع الحديد فى القاهرة بأثمان متدنية، والمحاجر ليست جميعها تحقق مكاسب كبيرة نظراً لظروف الجيل وجودة منطقة عن أخرى، ومع ذلك فإن البعض لا يفكر فى إغلاقها، لأن هذا سيتسبب فى قطع أجور العمال الذين هم فى أمس الحاجة إلى الأجر اليومى للإنفاق على أسرهم، فبعد أن كنت أحصل على أجر معقول ومرضٍ، مقابل عملى بالمحجر المقتصر على تحميل السيارات النقل والمقطورات بالبلوكات الحجرية، وكنت بتحاسب بالإنتاج فكل جرار أو سيارة أقوم بتحميلها بمساعدة 6 عمال آخرين، ويحصل كل واحد منا على مبلغ 30 جنيهاً مقابل تحميل الجرار الواحد، وقبل عامين كنت أحمل أنا وباقى زملائى نحو 7 جرارات فى اليوم، وكنت باروح بيتى مرضى وفى جيبى مبلغ لا يقل عن 200 جنيه لكن بعد غلق عشرات المحاجر وقيام بعض أصحابها بالعمل فى الخفاء تراجع الإنتاج، فأكبر محجر لا ينتج حمولة 3 سيارات فى اليوم الواحد، فضلاً عن أن العمل لا يكون يومياً وبشكل مستمر، وبالتالى أحصل على نصف الأجر الذى كنت أحصل عليه قبل عامين، ما دفعنى إلى ترك المحجر لأنضم إلى صفوف العاطلين». وقال رجب خليل، من قرية الحوارتة: «لو سرحت بخيالى ثانية وأنا واقف على الفصالة هموت أنا وزميلى»، مؤكداً أنه يعمل فى المحاجر منذ كان طفلاً، وكثيراً ما شاهد حوادث مؤلمة تسببت فى إصابة زملائه بعاهات مستديمة ومنهم من لقى مصرعه أمام الحشاشة والفصالة، مشيراً إلى أنه لا توجد وسائل للسلامة المهنية للعاملين فى المحاجر، وكثير من العمال كانوا يرون مشاهد موت زملائهم صعقاً بالكهرباء، حيث إن الأسلاك والكابلات التى تستخدم فى توصيل الكهرباء بالمعدات ومنتشرة فى جميع أرجاء المحجر يحدث بها قطع وتكون عارية ولا يستطيع أحد أن يكتشف ذلك بسبب وجود بودرة بيضاء ناعمة تغطى الكابلات. ويضيف: «ممكن آجى من آخر الدنيا وأرجع (يا مولاى كما خلقتنى)، ففى البداية كان عملى فى المحاجر القريبة من قرية الشرفا والمتاخمة لمدينة المنيا الجديدة من الناجية البحرية لكن كل هذه المحاجر تم غلقها وكانت قريبة من قرى شرق النيل ومنها الحوارتة ونزلة حسين وطهنا وفرج الله ونزلة عبيد وعرب الشيخ محمد والزاوية القبلية والبحرية، وجبل الطير، أما الآن فأنا أقطع فى السيارة التى تقل العمل مسافة لا تقل عن 80 كيلومتراً للوصول لأقرب محجر بالطريق الصحراوى الشرقى، وأدفع ضعف الأجرة التى كنت أدفعها فى المحجر القديم وبعد كل ده أوصل هناك لأجد المعدات معطلة، أو تتم أعمال صيانة لها فأضطر إلى الذهاب لأى محجر مجاور بحثاً عن عمل حتى لا أعود لأبنائى دون أى أموال، وعندما يتعدز وجود عمل، خاصة فى ظل الظروف الحالية وغلق العديد من المحاجر، أضطر إلى العودة لمنزلى، وعندما أواجه السؤال البديهى من زوجتى وأبنائى انت ليه رجعت من الشغل بدرى النهارده؟ يكون الرد الجاهز علشان خلصت بدرى».