«كان البحر مدرسته التى تعلم فيها علم الحساب والفلك وأماكن النجوم والمد والجزر وعلم الاجتماع والصيدلة، فصار عالماً وشاعراً، يصافح الطيور، ويتأمل النجوم، ويصادق أمواج البحر». كثير منكم أصدقائى لا يزال يتذكر قصة أشهر فيلم كرتونى «الأسد الملك» ومغامراته مع صديقيه «تيمون» و«بومبا» فى الغابة، التى تعلم منها وفيها فن الحياة.. لكن هل يعرف أحد منكم قصة الأسد الأمير الذى علمه البحر فن الحياة؟ فانوس رمضان اليوم نشاهد من خلاله قصة ذلك الفتى الصغير ذى العشرة أعوام الذى عشق البحر فمنحه أسراره، كان البحر مدرسته التى تعلم فيها علم الحساب والفلك وأماكن النجوم والمد والجزر وعلمى الاجتماع والصيدلة، فصار عالماً وشاعراً، يصافح الطيور، ويتأمل النجوم، ويصادق أمواج البحر، يحزن حين تغضب وتثور، ويضحك حين تقبل عليه بحنان. يتجول بنا الفانوس بين صفحات كتاب «الفوائد فى أصول علم البحر والقواعد» الذى ألّفه أسد البحار وأمير البحر العربى شهاب الدين أحمد بن ماجد، الذى وُلد بجلفار على ساحل عمان، فى القرن التاسع الهجرى الخامس عشر الميلادى فى عائلة البحر هو حياتها؛ فأبوه لُقب بربان البحرين، البحر الأحمر وبحر العرب، وجده أول من وضع رسالة فى علم البحر والملاحة. وعمره عشرة أعوام، ركب ابن ماجد البحر مع أبيه وصار صديقاً له، غاص فى عالمه الواسع الغامض، فعرف أنواع الأسماك وأسماء الخلجان والصخور، وعلى سطح السفينة جلس بالساعات يتأمل السماء، فعرف أسماء النجوم ومواقعها، فالنجوم صديقة البحارة تهديهم للاتجاه، صادق طيور البحر فكانت دليله للشواطئ يهتدى بها وترشده للطريق. تعددت أسفار ابن ماجد مع أبيه بين السواحل والقارات حتى وصل للصين وقد صار خبيراً بخطوط الطول والعرض وأدوات القياسات الملاحية الفلكية وطرق استخدامها، وفى رحلته استفاد من السمكة المغناطيسية التى اخترعها الصينيون لترشدهم فى البحر وطورها وأدخل عليها من علمه فى الفلك والملاحة، ليقدم للبشرية اختراع البوصلة التى لا تزال تُستخدم حتى الآن، وفى طريق عودته من رحلته المثمرة للصين وعلى مدى 4 سنوات، بدأ ابن ماجد فى تأليف كتاب «الفوائد فى أصول علم البحر والقواعد» الذى يحتوى على أحد عشر فصلاً، بدأه بالحديث عن أساتذته ومن تعلم منهم فنون الملاحة، وعن واجبات الربان والعلوم والثقافات التى لا بد أن يلم بها؛ فهو ليس فقط مرشداً وقائداً للسفينة، لكنه مسئول عن سلامة الركاب الجسدية والنفسية، يتعلم كيف يداويهم ويخفف عنهم الشعور بالحنين إلى الأهل والوطن؛ فالناس فى السفينة إخوة مصيرهم واحد، وهو رب هذه السفينة عليه السهر على راحة ركابها. كتاب «الفوائد فى أصول علم البحر» موسوعة فى علم البحر والبر والفلك والجغرافيا، أعاد كتابته ابن ماجد مرتين فى مراحل عمره المختلفة، وفى كل مرة يضيف له من خبرته بالبحر وبالبشر، فكان شاهداً على قصة أسد البحار ابن ماجد مع البحار البرتغالى فاسكو دى جاما، الذى استعان بالبحار العربى ليصل من ماليندى بساحل أفريقيا إلى كالكتا بالهند، قاد ابن ماجد سفينة البحار البرتغالى، لذلك اعتبر البرتغاليون كتابه أهم كتاب فى علم الملاحة البحرية وضعه رائد علوم البحار العالم والكاتب والشاعر ابن ماجد، أمير البحر العربى الذى شيد له البرتغاليون فى ماليندى بكينيا نصباً تذكارياً؛ اعترافاً بفضله على البحرية البرتغالية والأوروبية فى كل بحار الأرض، ولا تزال طيور النورس تحلق فى السماء فوق البحار، وتتذكر صديقها البحار الصغير الذى صار أميراً للبحر وأسداً يحمى كل كائناته وضيوفه.. ابن ماجد.