أتخيله يجوب مكتبه البيضاوى فى حركة عصبية.. تتردد عيناه الحائرتان بين شاشات التليفزيون وتقارير الجهات السيادية.. يستدعى كبار مستشاريه.. يصرخ فى وجوههم، متسائلاً: كيف انكسرت أنف الأمريكى فى المنطقة هكذا؟ يتناثر رذاذ فمه على وجوههم.. كيف انسحبت من أيدينا خيوط اللعبة؟ فيبتلع كبير مستشاريه ريقه ويرد متلعثماً: «بسم الله الرحمن الرحيم: الإجابة مصر».. نعم أيها الأمريكى القابع فى زاوية البيت الأبيض.. اهتز عرشك.. . غارت عيناك.. . وسيشهد التاريخ بأن المصرى الذى دك حصون حلفائك فى أكتوبر 1973 عاد بعد 40 سنة ليدك كبرياءك ويسقطك أنت من فوق كرسى الرئاسة ويعطيك درساً قاسياً فى قواعد اللعبة التى ظننت أنك ستظل فيها المنتصر الأوحد.. لا أتحدث عن ثعابينك الملتحية بستار الدين.. المدعومة بملياراتك.. ولا عن سفيرتك التى توهمت أنها الجالسة على عرش مصر نيابة عنك.. فهؤلاء هم بعض تراب الطريق الذى يطأه المصرى بقدميه كلما أراد أن يكتب التاريخ.. ولكننى أتحدث عنك أنت.. خرجت عليك صقور مصر وشعبها لتقذف بك فى جحيم المواجهة مع شعبك ودولتك.. تتجرع مر الحساب.. وسريعاً ما ستسقط.. وتذكر أن الملايين التى هتفت فى ميادين مصر بسقوط النظام تجاوز هتافها الخريطة ليصب لعنته على مكتبك البيضاوى.. .. نحن الفراعنة.. نحن أصل الحضارة وكتّاب التاريخ.. لا تغرنك طوابير الخبز والوقود.. ولا تخدعك بساطة البسطاء فى الحقول والشوارع والمقاهى.. فقط حين تنادينا تلك الأرض، يخرج الطوفان ليكتسح كل من تمتد يداه للهوية والحدود والمصير.. شكراً لتلك الصفحة السوداء التى سجلها تاريخنا فقد أنبتت لنا أنيابا جديدة تمزق من يمس الهوية التى ما فقدناها أبداً.. شكراً لأيام المرار التى أعادتنا إلى أنفسنا.. ليدرك كل منا كم يساوى.. ويفرد قامته من جديد: «بسم الله الرحمن الرحيم.. الإجابة: مصر».. يا أهلنا فى تونس وليبيا.. الإجابة مصر.. يا إخوتنا فى السودان.. الإجابة مصر.. يا أهل الخليج.. الإجابة مصر.. يا أيتها الفئران المذعورة فى زنازينها الآن.. إحنا مصر.. ربما ما زال بيننا من يفتقد النضج.. ربما ما زال بيننا من ينتقد غلق قنوات الاتجار بالدين بدعوى حرية الرأى ونسى أنها كانت تحرض على قتل المصريين حين كنا فى الشوارع كانت تنادى بالجهاد المسلح ضد كل من قال لا.. ما زال بيننا من يروج أن القبض على شياطين الظلام عودة للاعتقالات ونسينا أن جميعهم مطلوبون فى جرائم سفك الدم المصرى وخيانة الوطن..نعم بيننا شباب منتشون بالثورة يدعون لمليونية الحفاظ على مكتسبات الثورة فليكن.. ولكن آن الوقت لمليونيات العمل.. لنبنى ما سيذكره لنا التاريخ واثقين أن هذا الجيش الشامخ هو من يحمى الوطن وسيلبى نداءنا دون مليونيات أيام الجمع.. اخرجوا أيام الجمعة ولكن لتمتعوا أعينكم بمصر.. امشوا فى شوارعها.. خان الخليلى والهرم والنيل.. تمتعوا بها وبهواها الحر وشمسها الحرة ولياليها المنورة.. مبروك عليكم مصر.. مبروك علينا روحنا الطيبة وسماحة قلوبنا.. مبروك علينا شموخنا وتاريخنا.. جوامعنا وكنايسنا.. مبروك البسمة اللى بتنور وشوش الغلابة الطيبين.. مبروك عليك يا مصر ولادك الجبارين.. الطيبين.. . مبروك يا مصر.