يجمع بين قوة الجسد والصبر الشديد أمام درجة الحرارة المرتفعة، يتصبب منه العرق أمام النيران المشتعلة، فيصهر بها الحديد ويشكله كيفما يشاء، فيصنع منه الأبواب والنوافذ والمصاعد الحديدية... هذا هو حال محمد عبدالنبي وسط أخوته في ورشة الحدادة بباب الشعرية، التي قضى فيها أكثر من 16 عاما من عمره، فالمهنة التي ورثها عن أبيه هي الآن مصدر رزقه وكسبه في الحياة. "الحدادة مهنة تحتاج مخ وقلب جامد وأعصاب قوية"، قالها "محمد" وهو منهمك في عمله، وماكينة اللحام في يده وواقي الوجه الذي يحميه من شظايا اللهب المتناثرة أثناء عمله، واصفا المهنة بالصعبة والشاقة، متابعا حديثه: "القصة مش نار ولحام بس لأ، دي شغلانة بتحتاج دماغ عالية وتفكير في نوعية الشغل وأحجامه ومقاساته وأشكاله". ويواصل "عبدالنبي" حديثه ل"الوطن"، ساردا تفاصيل يومه في شهر رمضان وطبيعة العمل وسط أجواء الصيام والحر الشديد، قائلا "شهر رمضان كله خير، وبيكون معدل الشغل فيه كويس، إلا أننا شغلنا كله مع النار، وصعب إننا نشتغل في النهار مع الصيام، فالشغل كله يبدأ بعد الفطار وحتى السحور، وبيكون وقت بعد الفطار الصنايعي صعب يشتغل وقت الصيام خصوصا في الصيف، ومع ذلك الشغل في رمضان بيكون له متعة خاصة في جو الشهر الكريم اللي صعب تلاقيه إلا في بلدنا". وعن حال المهنة الآن، قال: "المهنة قربت تختفي على مستوى الحرفيين، لأن مفيش حد عايز يتعلم، وأنا وأخواتي اتعلمنا لأن أبونا كان في المهنة من صغره، واحنا تربينا وعيشنا منها، أما حاليا الشباب يخاف يتعلم الصنعة لأن المخاطر كتيرة وكمان فيها إصابات، فلازم تحب المهنة وتديها علشان تديك".