سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» ترصد صوراً حية لجمعة «لحس الكوع» من مسجد «المهدى» سودانيات: كيلو الطماطم ب 15 جنيها واللحمة ب 42 جنيها.. تحملنا البطالة والمحسوبية لكننا لن نستطيع تحمل الجوع
دقات الساعة كانت تشير إلى العاشرة مساء الخميس الماضى، توقفت سيارة لأحد النشطاء السياسيين السودانيين المنظمين لجمعة «لحس الكوع» على جانب شارع الملك نمر فى الخرطوم وطلب منى الصعود بسرعة لأنه لا يستطيع الوقوف أكثر من 5 دقائق فهو مراقب وعليه الذهاب سريعاً إلى منزله الذى غيره أكثر من مرة بعد حملة المداهمات من قبل قوات أمن البشير، فالشباب ينتظرونه على ال «سكايب» للتخطيط لإنجاح الثورة السودانية. قال لى باللهجة المصرية: «خدى بالك من الأمن.. تم ترحيل مراسلة قناة العربية ومراسل قناة الجزيرة إنترناشونال وإذا أردتى تغطية مظاهرات الجمعة فعليك الذهاب إلى أم درمان لأنها ستشهد مظاهرات حاشدة»، انتهت كلماته دون الإفصاح عن المزيد من المعلومات. صبيحة أمس الأول كانت الشوارع هادئة، لا تبشر بوجود أى مظاهرات، هاتفتنى إحدى الفتيات السودانيات وأخبرتنى أنها سترافقنى إلى أم درمان متعهدة بأنها سوف تحقق لى كل وسائل الأمان حتى لا ألاقى مصير مراسلى الصحف والوكالات الذين تم ترحيلهم من قبل الحكومة لإحداث تعتيم إعلامى عما يحدث فى السودان، وضحكت الفتاة السودانية قائلة: «لا تخافى أنا سودانية وأحمل جواز سفر أمريكيا وسأحضر لك نقابا وعباءة حتى لا تلفتى أنظار الأمن». انطلقنا إلى المدينة والتى يقطعها الركشة «التوك توك» فى ربع الساعة، توجهنا إلى ساحة مسجد سيدى عبدالرحمن المهدى، قالت الفتاة: «الآن نحن فى حضرة آل المهدى والأنصار». أم درمان مدينة تاريخية أسسها أحمد محمد المهدى عندما قدم من الجزيرة لمحاربة الإنجليز فى ثورة سميت بعد ذلك ب«المهدية» عام 1880، أما الأنصار فهم الأهالى الذين تجمعوا حول المهدى لنصرته والذين يؤمهم الآن الصادق المهدى، حفيد أحمد محمد المهدى، تحت راية حزب الأمة المعارض. شيوخ وأطفال ونساء وشباب توافدوا على المسجد وساحته بعضهم قام بتوزيع الكمامات واللافتات، فيما قام البعض الآخر بتوزيع بيان يحمل وعود عمر البشير عندما انقلب على الحكم صبيحة 30 يونيو 1989 واعداً الشعب السودانى بإصلاحات اقتصادية قائلاً حينها: «لقد تدهور الوضع الاقتصادى بصورة مزرية، فشلت كل السياسات فى تحقيق أى قدر من التنمية.. ازدادت حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم لنعيش على حافة المجاعة». أمسكت امرأة سودانية، تدعى عظيمة، البيان وقرأت ما فيه بنبرات يعلوها السخرية والتهكم قائلة: «هذا الكلام قيل قبل 23 عاماً منذ انقلاب البشير على الحكم وفى 30 يونيو يكمل البشير 23 عاماً، والسودان تمر بأصعب مرحلة فى تاريخها فالأسعار تتضاعف 150% ولا يقدر المواطن على إطعام أولاده». «عظيمة» لديها من الأولاد أربعة، امتنعت عن شراء الحليب بعدما ارتفع سعره من جنيه ومائتى قرش إلى جنيهين وهى ما زالت فى حيرة كيف ستشترى لأولادها ملابس المدرسة وكيف ستواجه شهر رمضان المقبل فسعر الطماطم وصل إلى 15 جنيها واللحوم ارتفعت أسعارها من 14 جنيهاً إلى 42 جنيها. قالت: «صبرنا على البطالة والفساد والمحسوبية ولكننا لا نستطيع الصبر على الجوع.. المطبخ السودانى أصبح لا يرى سوى الفول والخبز، حتى المواصلات ارتفعت أسعارها وجيرانى لم يتمكنوا من المشاركة فى المظاهرة لعدم قدرتهم على توفير أموال الركشة». صيحات الأنصار فى المسجد قطعت كلام عظيمة فالإمام الصادق المهدى قد حضر لأداء صلاة الجمعة، الجميع التف حوله مهللاً ومكبراً، وبدأ خطيب المسجد خطبته بنقد سياسات حكومة البشير التى زادت من التضخم والغلاء ثم تطرق إلى موضوع الثورة المصرية وأشاد بالشعب المصرى وثورته. رفع الخطيب أذان الجمعة وأمّ المصلين وما أن انتهى المصلون إلا وقال المهدى: «المظاهرات السلمية حق يكفله القانون والدستور وأى نظام يستخدم العنف ضد شعبه فهو مخالف للشرع وحقوق الإنسان»، ليرد المصلون بالتكبير والتهليل وهتافات «الشعب يريد إسقاط النظام»، «حرية، سلام، عدالة، الثورة خيار الشعب»، «مليون شهيد وعهد جديد»، «وسختوا الدين يا أوساخ» فى إشارة لحكومة البشير الإسلامية. وقبل أن يخرج المصلون خارج ساحة المسجد انهالت عليهم قوات شرطة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى والحى فى محاولة لمنعهم من الخروج، وهو ما قابلته السيدات والشباب بالهتافات «الشعب يريد إسقاط النظام» ليزداد قصف الغاز خارج المسجد وداخله. حاول الشباب إبعاد كبار السن إلا أنهم رفضوا مغادرة المسجد، فيما قامت الفتيات بإسعاف حالات الاختناق باستخدام محلول الخميرة والخل والكولا، إلا أنه لم يأت بأية نتائج حتى سقط قرابة ال 40 مصلياً بينهم أطفال وسيدات تم نقلهم إلى بيوت الأنصار المقابلة للمسجد لمحاولة إسعافهم فقاموا باستخدام أوراق شجر «النيم» بعد وضعها فى محلول خل وهو ما أتى بنتائج إيجابية. 14 سيارة أمن حاصرت المسجد والمنازل المحيطة به لمنع خروج المظاهرات إلى الشارع، وبعدما فشل المتظاهرون فى التجمع داخل ساحة المسجد الذى أصبح هدفاً سهلاً ومكشوفاً لقوات الأمن خرجوا إلى الشارع الرئيسى المجاور للمسجد وقاموا بإشعال النيران فى عدد من إطارات السيارات لمقاومة الغاز المسيل للدموع وبدأت عمليات الكر والفر فى الشوارع الجانبية التى وقع ضحيتها 3 مصابين برصاص مطاطى وخرطوش بينهم رجل أربعينى أصيب فى ظهره وفتاتان أصيبت واحدة فى فخذها والثانية فى قدمها. على الجانب الآخر قام الأنصار بتأمين البيوت التى استقبلت المصابين وتحولت بدورها إلى مستشفى ميدانى بعدما حذرت القنوات الرسمية المستشفيات من استقبال أى مصابين شاركوا فى المظاهرات. فيما أرسل الأطباء بياناً إلى المؤسسات العسكرية ومؤسسات الدولة تناشدهم التوقف عن استخدام قنابل الغاز خاصة أن تلك القنابل الإيرانية والصينية الصنع تحتوى على مواد قاتلة وإطلاقها بشكل عشوائى على المتظاهرين له خطورة على حياتهم، إلا أن السلطات السودانية لم تهتم.