سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أسرة "قصاب" السورية تصنع "المعرك" الرمضاني للاجئين.. وقناصة "الأسد" حرموا أبناءها من "أبو طبلة" "قصاب" وعائلته في رحلة إلى القاهرة هربا من مطاردت عصابات بشار بعد انضمام أبنائهم للجيش الحر
لم تتمكن "صبا"، الطفلة ذات الستة أعوام، من تلبية نداء "أبو طلبة" أو المسحراتي كما يسمونه في مصر، حين بدا بالظهور في شوارع "حمص" العام الماضي، فنظرات قناص جيش النظام الذي يعتلي البناية المواجهة لشرفة منزلها تشعرها بخوف، يفوق رغبتها الملحة والمعتادة على سماع صوته، وهو يردد اسمها لتصحوا وعائلتها؛ لتناول سحور أول أيام الشهر الكريم. أيام مضت.. ولم تسمع عائلة "صبا"، ابنة سمير قصاب، التي جاءت إلى القاهرة هربا من ملاحقة "جيش بشار" لهم، صوت "أبو طبلة" في شوارع حمص، ورغم ذلك فهذا لم يشغل بالهم كثيرا، فهم اعتدوا على فقدان الأهل والجيران، فقد يكون انشغل بالمظاهرات ضد نظام "بشار" التي تجوب شوارع حمص، أو حُمل مع من حُملوا مغطى بالدماء ليكون شهيدا على يد "جنود بشار" ممن يبطنون قناعة أن رحيل "الأسد" فيه نهاية وجودهم على أرض سوريا. أم عثمان.. جدة "صبا" برداء البخناق "زي المرأة السورية" الأسود الفضفاض، ترتسم على وجهها ابتسامة لم تفارقها، رغم رحلتها الشاقة من سوريا إلى القاهرة قبل ثلاثة أشهر، دفعت فيها رشاوى لضباط جيش "الأسد" لتستطيع العبور مع أسرتها من النقاط الأمنية؛ حتى تصل إلى الحدود، ومنها إلى القاهرة، لتستقر بعيدا عن مطارات جيش النظام، فبعد انشقاق نجلها وشقيق زوج ابنتها عن الجيش النظامي، وضعت العائلة تحت التهديد بالاعتقال، بين عشية وضحاها، وأصبح الرحيل ضرورة، وبخاصة عقب تهدم منزلهم جراء قصف جيش النظام لحمص. "أم عثمان" وإلى جانبها "سمير قصاب" زوج ابنتها الكبرى، يسكنان وعائلتهما الكبيرة في شقة متواضعة بمدينة السادس من أكتوبر، تفتقر لمقومات الحياة الأساسية، في ظل مساعدة جيرانهم الذين أحضروا لهم بعض الأسرّة، ورغم ذلك يحاولوا الحفاظ على ما تبقى لهم من عادات بلد أنهكها القتال والحرب خلال شهر رمضان. ويؤكد سمير قصاب، ل"الوطن"، أنه اختار القاهرة ليرحل إليها، رغم عدم وجود مخيمات للاجئين فيها، لأن الحكومة المصرية تسمح للعرب بالإقامة بدون تصريح أو رسوم مادية، بالإضافة إلى أن الشعب المصري قريب جدا إلى الشعب السوري في الطباع والتفكير والعادات والتقاليد. وبامتعاض، تروي "ختان" والمشهورة ب"أم عثمان"، أنه حين كانت تفوح من شوارع "حمص" رائحة شواء "الكبة"، الوجبة الرئيسية على المائدة السورية في رمضان، والمختلطة برائحة البارود، فلا يخلو من أيدي المنتمين سواء لجيش بشار أو الجيش الحر، وتقول ختان: "تبدأ النساء في سوريا التحضير للكباء من قبل رمضان بثلاثة أيام على الأقل، وتعد من فرم اللحوم والبرغل، حتى ينتج عنه عجين، ويحشو ذلك العجين باللحم والسنوبر، ويشوى على النار، وغالبا يتم الشوي في شرفات المنازل". وتقول "ختان" وهي تمسك في يديها بعض المواد التي استطاعت توفيرها من محال بيع المنتجات والمواد الدمشقية، التي ظهرت بالقاهرة بعد تزايد أعداد اللاجئين السوريين، "المائدة السورية دائما عامرة بالأطعمة في رمضان، من مقبلات (فتوش) ودجاج بالرز، والكبسة والكبة"، لافتة إلى ضرورة وجود حلوى، فالسوريون يشتهرون بالحلوى، وتظهر في رمضان "الفواشة" والتي تشبه لحد كبير في مصر حلوى "المشبك"، وهو يعد من عجينة تقلى في الزيت بجانب "النمورة" و"الكاتوا". يسعى سمير قصاب، الذي كان يعمل موزع علاج في حمص، لتوفير الأطعمة والمشروبات الرمضاينة للسوريين في السادس من أكتوبر، بالتعاون مع بعض أبناء الجالية هناك، حتى لا يخفف من حدة الاغتراب على أبناء وطنه، ويقول: "دائما في رمضان ما يفترش بائعو (المعرك) في شوارع حمص وهو خبز رمضان، ويؤكل بعد الإفطار في السهرة كنوع من أنواع الحلوى، ولا تلخو الشوارع أيضا من بائعي (السوس)". صوت مدفع الإفطار، التي تستطيع "أم عثمان" أن تميزه بصعوبة عن صوت الرصاص، يذكرها بنجلها "عثمان"، الذي انشق عن الجيش النظامي وانضم للجيش الحر، ولم تشاهده منذ عام، حين خرج متخفيا ساعة الإفطار لعيود لمدينة "الزور" مكان خدمته بأحد الأحياء، التي يؤمنها من غدر جيش بشار، علاوة على مساعدتهم في التغلب على حصار بشار أثناء رمضان، محاولا توفير أبسط مقاومات الحياة الأساسية. عقب الإفطار يذهب سيمر قصير إلى صلاة التروايح، وبعدها يخرج مع شباب القرية، مرددين هتافات على رأس الحارة في سخرية من بشار وجيشه بالقرب من عناصر الجيش النظامي المحاصرة للحي، والتي تطلق النيران في الهواء بمجرد سماعها الأغاني الساخرة من رئيسهم، ويقول سمير: "نردد هتافات لإسقاط النظام يردوا بالرصاص". "صبا" وأطفال العائلة لا يجدوا ملاذهم إلا في ألعاب الحرب والقتال، ممسكين العصى ك"كلاشنكوف"، وعقب الإفطار يشاركون أباءهم في المظاهرات، أو السعى للموالد التي تنشد في مدح أل اليبت ورسول الله، والتي تشتهر بها السهرات الرمضانية. اعتادت الأسرة من أيام حمص، على الالتفاف حول شاشة التليفزيون لمشاهدة البرامج المصرية، وبرامج سورية مرتبطة برمضان، في حين تعمل "ختان" على تحضير "المكدوس"، الطبق الرئيسي على مائدة السحور، والذي يعد من الباذنجان المسلوق المضاف إليه ملح وفلفل وعين جمل و"يكبس"، لذلك يطلق عليه "مكدوس"، إلى جانب "اللبنة" و"الزعتر". ويقول قصاب "حرمت الحرب العائلة السورية من بعض عاداتها الرمضانية، قطع عنهم جيش النظام الأطعمة والأكل طوال شهر رمضان، ما أدى لرفع الأسعار، وسط اشتباكات مستمرة طوال الليل والنهار، وهو ما خلق أجواء تراحم اجتماعي بين الجيران، ومساعدتها لبعضها البعض، تعاون وتبادل الأكلات والوجبات والمؤن بين الجيران بعضهم البعض بمساعدة الجيش الحر، وإذا اكتشف الجيش النظامي يدخل البيوت ويقتلون الرجال والأطفال ويغتصبون النساء".