لم يعد أمام جماعة الإخوان سوى فرصة واحدة للبقاء، لكنها الفرصة التى تستلزم ثمناً فادحاً يجب سداده حتى يمكن الاستمرار فى العملية السياسية والاستمتاع بدفء الناس والشرعية الشعبية والقانونية. حديث المصالحة الذى يطنطن به البعض يقتضى الاعتراف بارتكاب جرائم وخيانة الشعب والحنث باليمين الدستورية، ويستلزم الخضوع للقانون والالتزام بأحكامه والمحاسبة القانونية لمرتكبى الجرائم، وإقصاء من يدان من العملية السياسية. لا يمكن القبول بحوار مع دعاة العنف ومرتكبى جرائم القتل لمعارضيهم السياسيين، بل لا يمكن قبول جماعات وقوى يقوم منهجها الفكرى ورؤاها السياسية على مبادئ العنف واعتباره (العنف) وسيلة للتعامل مع الناس. جماعة الإخوان تدفع بنفسها إلى المجهول إذا ما رفضت اليد الممتدة لها، وتدفع بنفسها للعودة إلى أحضان العمل السرى بالمكابرة ورفض الاعتراف بالأخطاء والخطايا التى ارتكبتها بحق الشعب، وإصرارها على عدم الاعتراف برفض الشعب لها. الإخوان مطالبون الآن أكثر من أى وقت مضى برفع راية المراجعات الفكرية والسياسية لأفكار عديدة تمسكوا بها طوال مسيرتهم، واعتبروا أن أجواء 25 يناير ستتيح لهم الاستمرار بذات الأفكار التقليدية التاريخية فامتنعوا عن تحقيق تطوير فعلى لأفكارهم، وحاولوا خداع الناس بادعاء الديمقراطية والسلمية وهم فى حقيقة الأمر يكذبون ويناورون من أجل التمكين والاستحواذ. لم يعد مقبولاً الحديث عن المصالحة مع جماعة تتمسك بعناد غريب بشعاراتها العنيفة وأفكارها المستندة على الإقصاء والإبعاد، حتى وهى فى ذروة أزمة تاريخية تستوجب منها الانتباه وإعادة النظر فى علاقاتها بالجماهير. الديمقراطية ليست سلماً للصعود دون هبوط، والحريات ليست وسيلة للقضاء على الحرية، وهى معانٍ سبق الحديث بها، والتحذير من محاولات استخدام الديمقراطية لإقصاء الديمقراطية والاستحواذ على المشهد لصالح فصيل، أو كما يقولون تبنى سياسة الانتخابات الديمقراطية لمرة واحدة. أصحاب منطق المصالحة عليهم الانتباه أن استمرار الأحزاب الدينية أو تلك التى تدعى ما يسمى خلفية دينية مطالبين الآن بتقديم ما يفيد أن تلك الخلفية الدينية لا تعنى الخلط بين البرامج السياسية وبين الدين، فالمطلوب هو أن تقوم الأحزاب على أفكار ورؤى سياسية بالأساس، ولا تربط بين وجود الحزب وبين التزامات دينية محددة. نحتاج الآن أكثر من أى وقت مضى إلى ضمانات دستورية للحفاظ على استمرارية العملية السياسية فى إطار ديمقراطى حقيقى، إطار يقى العملية السياسية من أفكار الإقصاء والاستبعاد، ومن دون أن يحقق هذه الأهداف باستبعاد أو إقصاء الآخرين. أعتقد أننا بحاجة إلى قواعد دستورية وصياغات قانونية تحمى المبادئ الأساسية لحقوق الناس فى حياة خالية من أفكار ودعوات العنف، وتضمن استمرار مسيرة العملية السياسية الديمقراطية والانتقال السلمى للسلطة بعيداً عن طيور الظلام وخفافيش الفاشية الدينية أو المدنية على حد سواء. جماعة الإخوان وأنصارها من التيارات الدينية الأخرى مطالبة باعتراف تاريخى يطمئن الشعب بانتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة بأسس وقواعد مختلفة عما انتهجته هذه الجماعات من قبل.. ووقتها فقط يمكن أن تبدأ عملية المصالحة التاريخية لهم مع الوطن قبل أى شىء آخر.