ارتسمت الفرحة على شفاه أطفال عائلة عمر أبوحامدة عندما عثرت بعد طول بحث على موطأ قدم لها على شاطئ بحر غزة، بينما تنهد الوالد وأسرع كمن عثر على كنز ليحفظ المكان لعائلته ولا يزاحمه عليه آخرون. تحلّقت العائلة حيث استقرت على رمال الشاطئ الذي اكتظ بمصطافيه، بينما انطلق الفتية الصغار نحو البحر الممتلئ أيضًا بمن يزاحم أمواجه. ويقول أبو حامدة (51 عامًا): "كلما اصطحبت عائلتي إلى البحر بالكاد أجد مكانًا لها، واكتظاظ الشاطئ بالمصطافين يضيق علينا ويحرمنا الخصوصية". ويتابع: "لا أستطيع اصطحاب أفراد أسرتي في كل مرة إلى المنتجعات الترفيهية فهي مكلفة بينما هنا لا نتكلف الكثير". ويعد شاطئ بحر غزة المحاصرة المتنفس الوحيد لحوالي 1.8 مليون نسمة تقطن هذه البقعة الصغيرة التي تعاني ويلات الحصار الإسرائيلي منذ سبع سنوات. وتفرض إسرائيل حصارًا على قطاع غزة منذ حزيران عام 2006، إثر فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات البرلمانية، ثم شددته بعد سيطرة الحركة على قطاع غزة في منتصف عام 2007. ويكتظ شاطئ بحر غزة بآلاف العائلات الغزية التي تبحث عن مكان ترفيهي لها لا يرهق جيوبها الخاوية، فغالبية سكان القطاع لا يملك تكاليف المنتجعات الترفيهية التي شيدت مؤخرا في قطاع غزة. وبحسب أحدث إحصائية لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، فإن نسبة الفقر بلغت في قطاع غزة 60% ونسبة البطالة بلغت 32%. ولم يجد أبويونس رضوان الذي يقطن شمال القطاع حلاً سوى السير وعائلته لمسافة لا بأس بها بعد أن شاهد حيث وصل إحدى أنابيب مياه الصرف الصحي غير المعالجة تصب في مياه البحر. ويقول رضوان الذي وصل الشاطئ سيرًا على الأقدام لقربه من منزله: "اضطررنا للسير شمالا تفاديا للمياه الملوثة والرائحة الكريهة المنبعثة من مصبات الصرف الصحي، ولكن دائما أخشى على عائلتي من التوجه شمالا والاقتراب من نقطة يقل زائريها بسبب قربها من الحدود الفلسطينية الإسرائيلية". وبسبب ضيق ذات اليد لا يتمكن رضوان من الذهاب إلى مناطق أخرى أكثر أمنًا ونظافة على شاطئ البحر. ويقل الازدحام في نقاط محددة بسبب مصبات مياه الصرف الصحي التي تضخ في البحر بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود، وازداد ضخها بعد الإغلاق التام بسبب الأحداث المصرية لأنفاق التهريب الممتدة على طول الحدود المصرية الفلسطينية التي كانت تسد نقص الكثير من الاحتياجات اليومية والحياتية لسكان القطاع. وكما يزدحم الشاطئ بالمصطافين، فسماء البحر الزرقاء تزدحم بالطائرات الورقية المحلقة في كبدها، بينما يراقبها أصحابها الصغار محلقة عاليًا كما أحلامهم البريئة. ورغم الاكتظاظ الهائل برواد البحر إلا أنه يبقى متنفسهم الترفيهي الوحيد الذي لا يقطع وصاله أحد، بل يزداد رواده دومًا.