يتجول دعاة ملتحون يعملون لدى الحكومة المقالة التي تديرها حركة ''حماس'' في قطاع غزة، بين المصطافين على شاطئ بحر مدينة خان يونس في جنوب القطاع، لحثهم على الانضباط العام. ويغلب الكلام الحسن على أسلوب هؤلاء وهم يتحدثون إلى المصطافين إجراءات يقولون إنه يجب إتباعها للانسجام مع الشريعة الإسلامية خلال التنزه على شاطئ البحر باعتباره مكان عام. وينظر إلى هذه الإجراءات على نطاق واسع في غزة، بأنها تندرج ضمن ضوابط تفرضها حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ يونيو 2007، لأسلمة المجتمع الفلسطيني في القطاع الفقير بشكل متدرج. وأطلقت وزارة الأوقاف في حكومة حماس التي تنظم حملة الدعوة في شاطئ البحر منذ بدء الموسم الصيفي اسم ''حراسة الفضيلة'' على هذه الحملة. وقال مدير الحملة محمد الفرا لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إنها تهدف لنشر ''الفضيلة وحفظ السمة الإسلامية المحافظة'' على شاطئ البحر باعتباره المتنفس الأبرز لسكان القطاع الساحلي. وذكر الفرا، أن الحملة تعتمد أسلوب ''الحكمة والموعظة الحسنة'' وتقتصر على تقديم النصيحة لمراعاة ضوابط الشريعة الإسلامية في أسلوب الاستجمام على الشاطئ الذي قد يكون معرضا “لمخالفة هذه الضوابط''. ويعمد القائمون على الحملة إلى الحديث إلى عائلات المصطافين في الكافتيريات المقامة على الشاطئ ويقدمون لهم بوسترات تحمل ''آداب الترفيه على شاطئ البحر''. وتدعو هذه الآداب –وفق الفرا- إلى الترويح عن النفوس دون خدش الحياء كما تدعو إلى ستر العورات وعدم الاختلاط وحفظ النظر من الحرام والتخلق بالمروءة . وتتفاوت ردود فعل المصطافين مع دعوات القائمين على حملة الفضيلة إذ يرفض الكثير منهم مجرد الاستماع إلى نصائحهم. وقال رجل في مطلع الخمسينيات من عمره عرف عن نفسه بأبو محمود بعد أن رفض تلبية دعوة للحديث معه وعائلته عن حملة الأوقاف ''هذا تدخل فظ في سلوك الناس وتقييد لحريتهم''. ويؤيد كثير من الفلسطينيين في قطاع غزة المحافظ بشكل عام مراعاة اتخاذ إجراءات منضبطة في الأماكن العامة، لكن عدد من الليبراليين ينتقدون بشكل صريح إجراءات حركة حماس باعتبارها تقييدا للحريات. وقال مسئولون في حكومة حماس إن برامجهم ومشاريعهم اختيارية ولا تجبر احدا على الالتزام بها. وأوضح طاهر النونو المتحدث باسم الحكومة المقالة أن ''برامجنا هي ثقافية وتعليمية لنشر الوعي العام على أساس الوعظ والإرشاد وهذا واجب ديني وأخلاقي''، مشيرا إلى أن هناك مبالغة في الحديث عن هذه الأمور. وحديثا اشتكى أصحاب محلات لبيع ملابس وعطور وأغراض زينة نسائية من تعميمات تلقوها من عناصر في المباحث العامة التابعة للحكومة المقالة، تطالبهم بضرورة تأنيث محلاتهم واقتصار العمل فيها على الفتيات. ويتجول عناصر المباحث في الأسواق العامة مستهدفين المحلات ذات الطابع النسائي، حيث يدققون في هويات أصحابها والعاملين لديهم قبل أن يطلبوا منهم بشكل إلزامي ضرورة تعيين فتيات محجبات لديهم. وقوبل القرار باستياء شديد لدى غالبية أصحاب المحلات التجارية الذين قال عدد منهم إنهم قد يضطرون إلى إغلاق محلاتهم بسبب هذا القرار لعدم قدرتهم على دفع راتب لموظفات في ظل ضعف مردود العمل. وقال مأمون صرصور وهو صاحب محل لبيع الملابس النسائية في سوق عمر المختار التجاري وسط غزة ''أبلغونا أن الأمر تحت طائلة القانون وسنتعرض للمساءلة في حال عدم التنفيذ، لكننا نرفض ذلك''. وأضاف وهو ينسق عرض بضاعته في محله الصغير ''هذه خطوة ليس في وقتها ولا في مكانها، نحن نعمل منذ عدة سنوات ولدينا سمعتنا في السوق، وأصلا ما نبيعه بالكاد يكفي معاش لنا والإيجار السنوي للمحل الذي يعود لحكومة حماس''. وقال أبو محمد الذي يبيع العطور في سوق الشيخ رضوان غربي غزة '' هذا إجراء تعسفي غير مسبوق في مجتمعنا الذي لم يشهد تقييدا للحريات كما يحصل منذ سنوات''. غير أن المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة حماس إيهاب الغصين، نفى وجود قرار لديها بتأنيث محلات بيع الملابس والعطور النسائية. وقال الغصين ل(د.ب.أ)، إن وزارته ستعمل على محاسبة مروجي مثل هذا القرار. وسبق أن فرضت حكومة حماس على المحلات التجارية في الأسواق العامة سلسلة إجراءات مشددة أبرزها حظر عرض الدمى التي تستخدم لعرض الملابس شبه العارية والملابس النسائية الداخلية. وينظر نشطاء حقوق إنسان بقلق إلى سلسلة إجراءات اتخذتها حركة حماس بشكل متدرج سعيا لما يقولون إنه فرض أسلمة المجتمع والحد من الحريات العامة. ففي يناير من العام الماضي قررت حكومة حماس مصادرة روايات عربية من مكتبات وأسواق قطاع غزة بادعاء ''مخالفتها'' للشريعة الإسلامية. وفي يونيو 2010 أصدرت قرارا يحظر على النساء تدخين (النرجيلة) في الأماكن العامة، كما سجل ضدها سلسلة إجراءات بإغلاق وعرقلة عمل عدد من المرافق السياحية في القطاع بسبب ''الخروج عن عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني''. يأتي ذلك وسط استمرار الخلافات بين حماس وحركة فتح في جهود تحقيق المصالحة الفلسطينية سعيا لإنهاء الانقسام الداخلي عبر إجراء انتخابات عامة لأول مرة منذ العام 2006. ويجادل مسئولون من فتح بأن حماس تكرس إجراءاتها للانفصال بقطاع غزة وتحويله إلى ''إمارة إسلامية''.