تنتسب الدولة الأموية إلى أمية بن عبدشمس بن عبدمناف، وقد أنجب أمية ولدين هما حرب وأبوالعاص، وأنجب حرب أباسفيان، وأنجب أبوسفيان معاوية، وأنجب أبوالعاص ولدين هما عفان والحكم، وأنجب عفان ولده عثمان، وأنجب الحكم ابنه مروان. فى إطار هذه الشجرة العائلية ذهب البعض إلى أن الدولة الأموية بدأت مع وصول عثمان بن عفان (رضى الله عنه) إلى مقعد الخلافة، بعد سنين طويلة حلم بها أحفاد «أمية» بالوصول إلى هذه المكانة، لكن أخّرهم موقفهم المعادى للإسلام ولنبى الإسلام (صلى الله عليه وسلم)، إذ أسلم معظمهم بعد فتح مكة وسيطرة النبى عليها. فبعد الفتح أسلمت أسرة أبوسفيان بن حرب؛ الأب والابن معاوية، والزوجة هند بنت عتبة، ولم يسلم أبوسفيان إلا مضطراً بعد أن أعلمه العباس بن عبدالمطلب عم النبى أن محمداً جاءهم بما لا قبل لهم به، فنادى العباس معاوية -كما يحكى «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ»- وقال له: «هذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى المسلمين أتاكم فى عشرة آلاف. قال أبوسفيان: ما تأمرنى؟ قال العباس: تركب معى فأستأمن لك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك. فردف العباس (أى فسار وراء العباس)، فخرج يركض به نحو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكلما مر بنار من نيران المسلمين يقولون: عم رسول الله على بغلة رسول الله، حتى مر بنار عمر بن الخطاب، فقال: الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد! ثم اشتد نحو النبى (صلى الله عليه وسلم) وركضت البغلة فسبقت عمر، ودخل عمر على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبره وقال: دعنى أضرب عنقه. فقال العباس: يا رسول الله، إنى قد أجرته. ثم أخذ برأس رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقال: لا يناجيه اليوم أحد دونى. فلما أكثر فيه عمر، قال العباس: مهلاً يا عمر، فوالله ما تصنع هذا إلا لأنه من بنى عبدمناف، ولو كان من بنى عدى ما قلت هذه المقالة. فقال: مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلىّ من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اذهب فقد أمناه حتى تغدو علىّ به بالغداة. فرجع به العباس إلى منزله، وغدا به على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ قال: بلى، بأبى أنت وأمى يا رسول الله، لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنى شيئاً. فقال: ويحك ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله؟ فقال: بأبى أنت وأمى، أما هذه ففى النفس منها شىء. فقال له العباس: ويحك! تشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك!». أسلم أبوسفيان بن حرب والسيف فوق رقبته، وكان عمر بن الخطاب يريد قتله وهو آتٍ مع العباس، رغم إدراكه حقيقة أنه جاء ليسلم، والعباس لا يجد تفسيراً لرغبة عمر فى قتل أبىسفيان سوى انتمائه إلى بنى عبدمناف (الجد الأكبر لهاشم وعبدشمس). ومن المفيد أن نتوقف أمام هذا الحوار الذى اعتمل بين أبى سفيان والنبى (صلى الله عليه وسلم)، فعندما قال له النبى: ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فرد أبوسفيان عليه بالإيجاب والإقرار، وعندما سأله ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله؟ أجاب: أما هذه ففى النفس منها شىء! وواقع الحال أن أباسفيان -مثله مثل قومه- لم يكن يشك أن الله تعالى هو خالق السموات والأرض، وينص القرآن على ذلك فى قوله تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ» (العنكبوت - الآية 61). وكان يقر بأن الله هو خالق البشر: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ» (الزخرف - الآية 87). فشأن كفار مكة كان كشأن كفار بنى إسرائيل الذين قال الله (تعالى) فيهم: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» (النمل- الآية 14). فشهادة أن لا إله إلا الله لم تكن تعنى أمراً جللاً بالنسبة لأبىسفيان بن حرب، فقد كان -مثل قومه- يفهم أن الأصنام مجرد وسيلة يرجون بها الزلفى والقرب من الله: «أَلَا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ» (الزمر- الآية 3). وعلينا ألا ننسى أن العرب قبل بعثة النبى (صلى الله عليه وسلم) كانت تسمى الكعبة «بيت الله»، وأن عبدالمطلب أطلق على واحد من أولاده اسم «عبدالله»، وهو أبو النبى (صلى الله عليه وسلم)، فجوهر الأمر كان يرتبط بالإيمان بنبوة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد أسلم أبوسفيان وفى نفسه من هذا الأمر شىء!