المصلحة فوق العقيدة، تلك قاعدة أخرى من القواعد التى يستند إليها الحاكم «التاجر»، فأى مبدأ أو قيمة تتصاغر أمام المكسب، ذلك ما تعلمه «الإخوان» من تجربة «بنى أمية» الذين أسسوا لمفهوم الملك القائم على التجارة، تحكى كتب التاريخ أن أباسفيان بن حرب أسلم وكذلك زوجه «هند بنت عتبة» وفى نفسيهما حاجة، كما وصف أبوسفيان عندما طلب منه النبى صلى الله عليه وسلم أن يشهد أن لا إله إلا الله فشهد، ثم طلب منه أن يشهد أن محمداً رسول الله، فرد أبوسفيان: «أما تلك، ففى النفس منها حاجة»!، ومع الأب والأم أسلم الابن، معاوية بن أبى سفيان. وكان للثلاثة رؤية ونظرة خاصة إلى أمر انتصار الإسلام، ملخصها أن «محمداً» قد ظهر على العرب، وأنه لا بديل عن الاستسلام للموقف، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، ومؤكد أن ملك محمد صلى الله عليه وسلم قد أعجبهم، وخصوصاً «أباسفيان» وتمنوا لو تحول هذا الملك إليهم ذات يوم. ويروى «ابن الأثير» أن أبا سفيان لما رأى الجنود المصطفين حول محمد صلى الله عليه وسلم من كل اتجاه، قال لعم النبى العباس بن عبدالمطلب: «لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقال العباس: ويحك إنها النبوة، فقال أبوسفيان: نعم إذن»، فأبوسفيان لم يكترث لأمر النبوة، قدر اكتراثه بأمر الملك، وكأنه كان ينظر إلى التحقيق الذى أنجزه محمد على أنه يقع فقط فى سياق الدنيا وملك الدنيا!. ومع ذلك فقد ورث هؤلاء الإسلام، وحسن إسلامهم ولا شك، لكنهم عاشوا بحقيقة أنهم اعتلوا قطاره فى محطته الأخيرة، بعد أن قطع أشواطاً فى التجذر داخل نفوس من سبقهم إلى الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فالتفتوا أكثر من غيرهم إلى الملك، وتسامحوا فى قيم النبوة، ولم يزد الإخوان على تلك الرحلة شيئاً عندما ركبوا قطار الثورة بعد ثلاثة أيام من تحركه، عندما سقط مبارك فعلياً عصر يوم الجمعة 28 يناير. نعم! سقط مبارك عصر ذلك اليوم عندما سقطت آلته القمعية، وتأخر الإعلان عن ذلك حتى 11 فبراير، ورغم حقيقة تأخر ركوب الإخوان لقطار الثورة، إلا أنهم تمكنوا من الاحتيال على الثوار والضحك على النخبة، ولعبوا بشعرة معاوية «لو قطعها الناس وصلوها ولو وصلوها قطعوها»، لتدشن الجماعة من جديد تجربة شديدة الشبه -فى أسلوبها وطرائقها- بتجربة بنى أمية، لكن قيادات الجماعة الحالية لا ترقى بأى صورة من الصور لمستوى دهاء «معاوية»، حتى تستطيع الاحتفاظ بالملك أكثر من ثمانين سنة كما فعل وأبناؤه، هؤلاء الذين ورثوا الإسلام ولما يؤمنوا به، تماماً مثلما ورث «الإخوان» الثورة ولم يؤمنوا بقيمها وأهدافها.