رعونة الداخلية وقمعها للمواطنين كانا من أهم أسباب اندلاع الثورة، وهو ما يجعل ملف الأمن، بعد انهيار الجهاز الشرطى، هو التحدى الأول للرئيس المنتخب محمد مرسى، الذى زار أكاديمية الشرطة للاجتماع بأعضاء المجلس الأعلى للشرطة، ملوحا برسالة: «لن أنتقم». الرسالة كانت بمثابة ضوء أخضر للواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، بشكل خاص، لاستكمال ما بدأه من محاولات إصلاح بجهاز الشرطة، وهو مؤشر يعطى احتمالية الإبقاء على إبراهيم فى الوزارة، خاصة أنه لم يكن من ذوى الاحتكاك المباشر بملف الجماعات الإسلامية التى ينتمى إليها نجله «عمرو» فكريا -على الأقل- وعمليا بانشغاله بالعمل الدعوى فى البلدان الآسيوية، وهو ما يعجِّل بتجسير أى هوة قريبة كانت أو بعيدة مع تيار الإسلام السياسى الذى دانت له السيطرة على مقاليد البلاد. إبراهيم حاول التعلم من أخطاء سابقيه، ابتعد عن التلويح بالقوة فى كل وقت، وأبعد الشرطة عن المظاهرات أو التعامل مع الاحتجاجات الفئوية، وحاول ترسيخ مبدأ «الشرطة فى خدمة الشعب» لدى الضباط والأفراد، كما استغل مراقبة الجهاز الإعلامى للحالة الأمنية فى مصر فى أعقاب الثورة، وشدد على قيادات الوزارة ضرورة التعامل المثمر مع وسائل الإعلام، لإبراز جهود الشرطة، وهو ما ينعكس بالإيجاب على الحالة النفسية للمواطنين وشعورهم بالأمن، وإن كان ذلك لم ينفذ كما يجب، فلا الضباط جميعهم التزموا بالتعليمات ولا شعر المواطنون بالأمان المطلوب، وبقيت معدلات الجريمة فى إطار يوحى باستمرار الانفلات الأمنى، فى ظل انتشار السلاح والمخدرات. رسالة مرسى لإبراهيم، وردّ الأخير بأن الشرطة ستبذل أقصى جهودها لتحقيق الأمن والاستقرار فى الشارع، فجَّرا العديد من الأسئلة حول التغيير الجذرى الذى تعهد به مرسى فى برنامجه، وهل يتمكن إبراهيم من تحقيق هذا التغيير، وهو ما لم يتمكن من فعله طيلة الأشهر الستة الماضية. اللواء محمد إبراهيم هو ثالث وزير داخلية بعد الثورة؛ حيث سبقه محمود وجدى ومنصور عيسوى فى عهدى رئيسى وزراء مصر أحمد شفيق وعصام شرف، وهو الوزير الذى أعادته الثورة إلى العمل الشرطى بعد أن خرج على المعاش، ليشغل أعلى مناصب الجهاز الأمنى كوزير للداخلية فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى فى ديسمبر من العام الماضى وحتى الآن. الرجل، الذى يبلغ من العمر 65 عاما، وُلد بمحافظة الإسكندرية، شغل عدة مناصب بوزارة الداخلية فى عهد حبيب العادلى، من بينها: مدير إدارة البحث الجنائى بمديرية أمن الشرقية عام 1989، ثم المنصب نفسه بمديرية أمن الجيزة عام 1990، إلى أن اختير ليشغل منصب مدير أمن قنا عام 1997، فمدير لأمن الجيزة فى عام 2003. وقبل أن يخرج إبراهيم على المعاش عام 2007 لبلوغه سن التقاعد اختاره الوزير ليكون مساعده للأمن الاقتصادى فى العام السابق لخروجه من الخدمة. من أشهر العمليات التى تسببت فى توجيه انتقادات لاذعة له: عملية الإجلاء القسرى للمعتصمين من اللاجئين السودانيين فى حديقة شارع مصطفى محمود، وهو ما تسبب فى مقتل عدد كبير منهم. إبراهيم، عقب توليه منصب وزير الداخلية بعد الثورة، انتهج أسلوبا جديدا فى التعامل مع ملفات الأمن الداخلى، وركز على القضايا الجنائية وملاحقة بعض الهاربين من السجون، على حساب الأمن السياسى والوقائى، خاصة بعد أن تم حل جهاز مباحث أمن الدولة وإنشاء قطاع الأمن الوطنى بديلا عنه، إلا أن بعض قضايا التطرف الدينى والاختراقات الأمنية بدأت فى التزايد والظهور على السطح، وهو ما يتطلب مراجعة دراسة من الجهاز الأمنى فى محاربة الإرهابيين والمتسللين التابعين لبعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية والحركات والتنظيمات الجهادية التى يشير الوزير نفسه أحيانا إلى وجود عناصر منها على أرض مصر.