بعد صدمة أحداث 28 يناير 2011، انقلبت أحوالها رأسا على عقب.. دخلت غيبوبة وبعد عدة أشهر خرجت منها، والحزن يدمى قلبها.. والدموع لازمت جفنيها.. والأمل تائه، العقل شارد.. الخاطر مكسور.. الحنين جاف.. الابتسامة مفقودة، سنة ونصف تقريبا مرت على الثورة وشىء لم يتغير من جرح السيدة «سمية زكريا كامل» (50 سنة).. والدة الشهيد طارق محمد عامر، وعمره 33 سنة. أسيرة شعور بعدم الأمان والأمل، تعيش السيدة فى قلق دائم على من حولها سواء ابنها وبناتها الثلاث أو أبناء جيلهم، تقول باكية: «حزنى كبير أوى على ابنى وبلدى وكل الشباب اللى زى ولادى»، أصابها مرض الكبد والسكر بعد استشهاد «ضناها»، بين آلام المرض والوحدة.. ومطاردة «هواجس» الواقع الأليم، بدءا من فقدانها «سندها» وابنها الأول حتى انعدام «عشمها» فى التغيير والإصلاح مستقبلا، أم طارق تكشف عن خوفها من القادم وتقول: «أنا خايفة وقلقانة زى ما أكون فى امتحان، ويا ترى مين اللى هيمسك البلد وهيعمل فينا إيه؟!». خوفها يجعلها تمنع ابنها الثانى «محمد» وأخواته من المشاركة فى المظاهرات والمواجهات خوفا عليهم، فرعب السيدة «سمية» حرك الذاكرة الانتقامية وإمكانية الثأر من أهالى الشهداء، لأن ذنبهم فقط أنهم دفعوا دماء «فلذات أكبادهم» لرى أرض مصر المتعطشة وإنقاذها: «خايفة إن ييجى رئيس يبهدل الناس اللى بتقول عاوزين نصلح بلدنا وينتقم من الناس اللى بتطالب بحقوق الشهداء وأهاليهم وكل واحد من أولاد البلد دى». رغم بساطة أحوال أسرة الشهيد اجتماعيا وتواضعها ماديا، لم تنس إنسانية السيدة العجوز ولم يغفل قلبها تذكر حاجة ومعاناة الناس «الغلابة»، تخشى عليهم من استخدامهم وقودا أو ضياعهم ضحايا لما يحدث فى مصر: «أنا شفت ناس ظروفها تحت الصفر وخايفة بعد الثورة والانتخابات وكل اللى حصل يبقى فيه ناس كده مش لاقية اللقمة فعلا». «الدنيا متلخبطة ومش عارفة رايحين على فين ولا راسيين على إيه.. الكل غلط!». رؤية السيدة العجوز، وحزنها على ابنها الشهيد وأطفاله الثلاثة -حبيبة وفرح وزياد- لم يفارق صدرها لحظة، تحاول إطفاء لهيب حنينها بحلم تغير أحوال البلد واستقرار الأوضاع فى المستقبل، لكن السيدة الجريحة تعود متزايدة الهم ومضاعفة الخوف على حياة ما تبقى لها من أبناء لم تقتلهم أحداث الثورة ولكن يقتلون بعضهم، قائلة: «الناس قلقانة على مصير البلد، وأنا من يوم 28 يناير مش فاهمة أى حاجة، بقينا زى ما احنا ولا تغيرت حاجة، الكل يقتل فى بعضه والشرطة تقول لما تخلصوا خالص تعالولنا»، والدة الشهيد طارق تشكو ودموعها حبيسة فى عينيها عدم وجود طريق صحيح وشخصية تقتدى بها وتثق فى كلامها، لأن الناس أصبحت تخاف من بعض، حسب كلامها. أكثر شىء يفزع أم الشهيد ويخرجها عن توازنها وهدوئها وتماسكها الذى لا يستمر طويلا، هو «كابوس» عودة النظام السابق بأدواته ورجاله وقمعه الأمنى: «أنا بالفعل قلقانة من عودة نظام مبارك اللى قتل ابنى»، قاصدة البلطجة والنصب والعنف وضياع الحقوق وقتل الأبرياء، تؤكد أم الشهيد طارق أن المجتمع يمر بتقسيم بين المسلمين والمسيحيين وبين المسلمين أنفسهم لم ير مثله من قبل، قائلة: «هو ده اللى بخاف منه أوى، أنا عشت طول عمرى وربيت أولادى إن المسلم أخو المسيحى»، وحدوث ذلك فشل لرسالة ابنها الشهيد الذى كان رافضا الظلم والاستبداد وخرج فى مواجهته.. مما يزيدها وجيعة أكثر من الألم الذى تعيش به. لخصت «أم الشهيد» شعورها وقراءتها البسيطة لما يجرى حولها من أحداث على الساحة المصرية بأنها: «غرقانة ومش عارفين لها مَرسى»، وتحذر من آثار ما تسميه «الانفلات العام» قائلة: «خايفة نرجع تانى للجوع والقهر والقتل، وخايفة أكتر على أكل العيش، لأن على الوضع ده الناس ممكن متلاقيش العيش اللى تاكله».