بعيداً عن انتخابات الرئاسة التى أعلنت حملة الدكتور محمد مرسى فوزه فيها بالأرقام، ونازعت فى الأمر حملة الفريق شفيق، وسيعلم الشعب يوم قراءة هذا المقال النتيجة النهائية من اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التى لا يجوز الطعن على قراراتها، بعد أن تكون قد نظرت فى الطعون المقدمة من المرشحين قبل النطق بالقرار النافذ حسب المادة 28 من الإعلان الدستورى. بعيداً عن ذلك نرى هناك فتاوى شاذة كثيرة فى بطون الكتب، ونسمع بعضها أحياناً على بعض قنوات التلفاز العربية. لقد كانت صدمتى كبيرة عندما قرأت مؤخراً فتوى غريبة تعد من أكثر، بل أشد، الفتاوى حداثة وشذوذاً، وهى فتوى للشيخ على الربيعى؛ إذ نقلت عنه بعض وسائل الإعلام، وهو ينعى الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- قوله: «إن وفاة مولانا نايف لأشد إيلاماً من وفاة رسول الله؛ لأن محمداً ترك وراءه من نعلم، ولكن الأمير نايف لا نعلم للآن من وراءه. ادعوا لخير المسلمين». من آداب الإسلام الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة وذكر محاسنه وليس من آداب الإسلام التزيد أو النفاق. فتوى أخرى منسوبة إلى أحد علماء البحرين بشأن وفاة الأمير نايف تقول أيضاً: «هناك حالة استنفار فى صفوف الحور العين وذلك لاقتراب وصول أسد السنة إلى الجنة». وهذه الفتوى تذكرنى بموقف بعض أهل الخليج واصطفاف حكامه وراء صدام حسين، رحمه الله تعالى، وذلك لمساعدته فى حربه الفاشلة ضد الجمهورية الإسلامية والثورة فى إيران باعتباره الحاكم الذى يدافع عن السنة، والسنة براء من كل ذلك.. كان ذلك قبل احتلال الكويت. وكان على الشيخ الربيعى أن يكون دقيقاً وواضحاً عندما يريد أن يشكك فى استقامة من يأتى بعد الأمير نايف من الأمراء إذا كان يريد ذلك بفتواه، لكن إقحام وفاة رسول الله، صلى عليه وسلم، فى الأمر، وأن يألم الربيعى لوفاة الأمير نايف أكثر من ألمه لوفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعد مقارنة شاذة جداً فى هذا المضمار. وهى مقارنة غير مقبولة عقلاً أو شرعاً، وليس هناك أى مجال للمقارنة. وهنا لا بد أن نؤكد أن بعض المتسلفين، وليس السلفيين، نافقوا الحكام الظلمة، وخدعوا، بفتاواهم الشاذة، الشعوب، وتجرأوا على الإفتاء دون الشروط التى ذكرها السلف الصالح، ومنها، كما يقول الإمام أحمد بن حنبل: «ينبغى للرجل إذا حمل نفسه على الفتوى أن يكون عالماً بوجوه القرآن والأسانيد الصحيحة والسنة، وإنما جاء خلاف من خالف، لقلة معرفتهم بما جاء عن النبى، صلى الله عليه وسلم، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها». ولذلك يضع ابن حنبل شروطاً عظيمة للمفتى، فى مقدمتها: «أن تكون له نية وحلم ووقار وسكينة، وأن يكون قوياً على ما هو فيه (أى: التمكن فى العلم)، وأن يكون مستقلاً حتى لا يمضغه الناس، فضلاً عن معرفة الناس (أى: فهم الواقع)»، ومجموعة من الصفات المهمة الأخرى. وهذه تمثل أهمية بعض المعايير والمواصفات التى وقفت وراء نجاح الغرب فى مختلف الميادين، خصوصاً السياسة والاقتصاد والتقنية العالية، بما فى ذلك الصناعات والتصدير لبلادنا حتى النظام الديمقراطى. ويا ليتنا نواصل الطريق الديمقراطى الذى سرنا فيه دون أن نهمل المسار الثورى الذى كان سبباً فى أن تشهد مصر هذا المسار الديمقراطى، بعيداً عن الفتاوى الشاذة. والحكمة -كما علمنا من السنة- ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.. والله الموفق.