عندما قال هيرودوت منذ ألفى عام «إن مصر هبة النيل»، لم يكن يتخيل أن مصر العظيمة سوف تصيبها فى يوم من الأيام «لعنة» تقضى على مصر وعلى النيل بعد سبعة آلاف عام من الحضارة.. والمصيبة أن تكون هذه اللعنة هى المشروع الذى تم تحت شعار خدمة الإنسانية والحضارة والعالم أجمع.. ويدعى قناة السويس. وعندما عرض فرديناند ديليسبس هذا المشروع على محمد على باشا رفضه رفضاً باتاً رغم الإلحاح.. وأوصى أبناءه بعدم حفر قناة السويس لأنها سوف تجلب لمصر كل الدول الاستعمارية لتتربص بها، وقال بالحرف الواحد: «ستتحول مصر إلى بوسفور ودردنيل أخرى».. وستفقد مصر استقلالها إلى الأبد.. ورفض بعده الوالى عباس حلمى الأول المشروع تنفيذاً لوصية جده وكرهاً للأجانب بشكل عام، وعندما آل الحكم للوالى سعيد باشا رفض فى بادئ الأمر ولكن تحت ضغط الإلحاح والإغراء بخدمة الإنسانية والبشرية والخلود لاسم محمد سعيد باشا... إلى آخر تلك الأوهام التى تصدرها الدول الغربية لشعوبنا الساذجة المستضعفة.. وافق الوالى سعيد. كانت إنجلترا تحوم حول مصر منذ عام 1798 مثل الذئب الجائع لذلك أوقفت الحفر فى القناة بعد إقناع السلطان باستيلاء فرنسا على مصر.. وذهب ملك فرنسا إلى السلطان ليقنعه بالموافقة على استكمال الحفر.. وبعد افتتاح القناة فى عصر الخديو إسماعيل اتفق الأعداء الألداء على مصر فى شراكة قناة السويس وتكبيل إسماعيل بالديون وكان رغم أعماله العصرية العظيمة الشاهدة على عصره حتى اليوم.. كان قصير الرؤية لما حوله من قوى عالمية وشهوة استعمارية لا تخبو.. ورهن أسهم مصر فى قناة السويس وحاصرته إنجلتراوفرنسا وفرضتا عليه مراقبة الخزينة المصرية ضماناً لصندوق الدين المشترك، ولما رفض التدخل الأجنبى السافر عُزل وطرد من مصر ولم يمر اثنا عشر عاماً حتى احتلت إنجلترا مصر ودخلت جيوشها وسفنها من قناة السويس عام 1882، كما تنبأ محمد على. وكان امتياز حق الانتفاع لمدة 99 عاماً تنتهى فى 1969. وحاولت إنجلتراوفرنسا قبيل الحرب العالمية الثانية مد الامتياز عشرين عاماً أخرى، ولكن وقف لهم النحاس باشا وحكومة الوفد بالمرصاد ورفضوا مد الامتياز.. وفى عام 1956 وبعد تأميم القناة وكان جلاء الإنجليز لم يمر عليه عامان.. عادوا مرة أخرى مع إسرائيل وفرنسا بالحرب الثلاثية للاستيلاء على قناة السويس.. ولكن كان الزمن قد تغير بعد نهاية الحرب العالمية وظهرت قوى جديدة هى الولاياتالمتحدة وروسيا ووقفتا لأباطرة الاستعمار القديم بالمرصاد وأجبروهم على الخروج خاصة بعد المقاومة الباسلة لبورسعيد وأهلها والمقاومة الشعبية وبطولات الجيش المصرى وبعد أن دفعت مصر بالكثير من دماء شعبها.. وقبل أن ترفع مصر رأسها من آثار العدوان داهمتنا هزيمة 1967 وأغلقت القناة وتمركز اليهود على الضفة الشرقية وامتلكوا سيناء وعبثوا بثرواتها وآثارها وشيدوا خط بارليف الشاهق المنيع.. حتى جاء عام 1973 ليقتحم المصريون الخط المنيع ويعبروا القناة بأسلحة متواضعة وإمكانيات قليلة وبطولة فذة وروح قتالية أذهلت العالم.. وتخيلنا نحن أبناء جيل الهزيمة والنصر أن ما كان هو آخر المطاف ولكننا الآن بصدد بيع القناة مرة أخرى ومعها سيناء فى خطة شيطانية سعت إليها منذ زمن إسرائيل وأمريكا واتضح أنهم قد عرضوا على عبدالناصر عام 1968 استبدال 750 كيلومترا مربعا من أرض سيناء الشمالية لتوطين أهل غزة ومثلها من الضفة الشرقية للأردن مقابل 1000 كيلومتر مربع من صحراء النقب لتخلص الخريطة الفلسطينية تماماً لإسرائيل ولينتهى الوطن الفلسطينى إلى الأبد ورفض هذا العرض عبدالناصر وبعده السادات وبعده مبارك إلى أن تم الاتفاق بين أوباما والإخوان عام 2008 على هذا المشروع حال وصولهم للحكم، ومع تنفيذ مشروع محور قناة السويس المدعو بمشروع التنمية كان هناك شروط أخرى هى تجديد كامب ديفيد لتكون تطبيعا واندماجا كاملين ودخول إسرائيل فى الاستثمارات المصرية وبعد تولى مرسى الحكم كانت العقود قد تمت بينه وبين تركيا وقطر وإسرائيل وأمريكا للاستثمار حول محور القناة والوسيلة تتم الآن بواسطة الأنفاق التى ستتحول إلى محاور طرق ومعها المنطقة الاستثمارية الحرة بين رفح المصرية والفلسطينية ومواليد غزة الذين يقيدون كمواليد «سيناء» ليصبح بعد فترة وجيزة لدينا شعب سيناوى يعيش فى غزة وعندما تنزع علامات الحدود تكون أرض غزة فى تواصل عمرانى مع أرض سيناء.. ولأن الإخوان ينفذون المشروع بكل حماس وبسرعة جنونية حتى يضمنوا البقاء، جاء لنا مشروع «إقليم» قناة السويس وتسمية «إقليم» هنا هى قمة الخيانة لوطن ولدوا على أرضه وشربوا من مياه نيله العظيم ونالوا شرف جنسيته المصرية... المهم الآن سؤال ملح: لماذا لا تتولى القوات المسلحة المصرية تنفيذ هذا المشروع والإشراف عليه ليكون غطاء الأمن القومى متوافرا وأكيدا ولماذا لا يكتتب الشعب اكتتاباً عاماً بأقل مبلغ ويتبرع القادرون ويدخل رجال الأعمال المصريون والشركات الوطنية المصرية ويكون تحت مراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات.. لماذا نظل نولول ونشكو حتى نرى إسرائيل وقد عادت مرة أخرى للضفة الشرقية كما قالت السيدة سفيرة جهنم فى أقوال أنكرتها بعد ذلك؟ لماذا نترك الوطن للضياع ونترك لأبنائنا وأحفادنا إرثاً من العار والضعف والتخاذل والجبن؟ وما الإجابة إذا سأل الحفيد الصغير «لماذا سلمتم الوطن لمن لا يعرفون معنى الوطن ولمن يدينون بالولاء لمن قتلوا شباب مصر.. وهل هانت أرض سيناء بكل ما تشربت من دماء المصريين؟ وهل هانت مصر؟