«مش حقيقى إن السمك بياكل بعضه، البياض ماياكلش بياض، والبلطى ما ياكلش بلطى، مفيش نوع بياكل أهله، لكن احنا كبنى آدمين بناكل بعضنا»، هكذا وقف عبدالرزاق محمود، أمام الرياح التوفيقى فى محافظة القليوبية، يصف حال المصريين، ثم أشار للمياه من خلفه، وقال: «عمر المصرى ما كان مستريح، كل إنجاز فيك يا بلد اتعمل بالسخرة، حتى الرياح ده، اتحفر بالسخرة وراح فيه بنى آدمين كتير عشان يتحفر، من أيام الأهرامات، وقناة السويس، كله بالكرباج». «عمرى 23 سنة، لكن لو على اللى شفته يبقى عمرى 100 سنة، جبتها من الأقصر لحد العلمين بعد إسكندرية ب200 كيلو، اشتغلت صيد، وفاعل ورا بنا، ومبيض محارة، شاركت فى إنشاء كبارى، واشتغلت نجار مسلح، وفرمجى خلاط، من صغير متبهدل، اشتغلت كل حاجة، وادينى أهو بصطاد عشان ده اللى أنا شاطر فيه». عبد الرازق وجد أخيراً المهنة التى يرى نفسه فيها، لكن يبدو أنها لا تراه، لا أحد يرى عبدالرازق سوى الله، يقول: عندنا سوق سودة للسمك بتجيب فلوس أكتر من المخدرات، المفروض وزارة الزراعة توفر لنا «زريعة» -سمك صغير- يرموها فى الميه عشان يبقى فيه سمك، لكن الموظفين المسئولين عن الزريعة ما بيرموش حاجة، بيبيعوها فى السوق السودة بمعرفتهم، وبيوصل تمن كوباية الشاى من «الزريعة» 500 جنيه، تروح للى يدفع، واللى بيدفع هم أصحاب المزارع، إحنا ندفع ضرايب، ونشقى ومانلاقيش وهم ومعامل تفريخ السمك ما يرموش «السمك» ويروحوا يبيعوه فى السوق السودة. ليست معامل التفريخ وحدها التى تساهم فى مشكلة عبدالرازق وغيره من الصيادين، يقول: «مفيش حكومة سائلة فينا، لا نقابة ولا حاجة، المسطحات المائية مش شايفة شغلها، وسايبة الناس تعمل حاجات ماترضيش ربنا، لا بينزلوا فى ورديات، ولا دوريات احنا لوحدنا اللى قبل الثورة وبعدها حقنا مهضوم، كل حاجة عمالة تغلى علينا حتى أدوات الصيد، نفسنا نبيع السمك بدل مفيش زريعة وشركة الغزل والنسيج عمالة تغلى فى أدوات الصيد، نفسنا نبيع السمك بخمسة جنيه بدل 17، زى ما كان من 9 سنين، لكن مش لاقيين سمك، من الصبح ما لاقيناش غير برد وكراكير، وشوية قشر بياض». الحياة الوردية بالنسبة لعبد الرازق ليست أكثر من أن تقوم وزارة الزراعة بإلقاء «الزريعة» بما يرضى الله فى المياه، وتكف عن إعطائها للمزارع فقط، يقول: «يعنى إيه كيلو سمك المزارع ب18 جنيه، يرضى مين ده يبيعوه الطاق تلاتة وهو كتير عندهم؟ أمال احنا اللى مش لاقيين البلدى، لما نصطاده نبيعه بكام؟». المعاناة التى يراها عبدالرازق يراها كل أهالى قريته «طحلة» التى يعيش معظم أهلها على الصيد، يقول: «كل الناس بطلت صيد، وبقوا يشتغلوا عند الناس، مفيش سمك، اللى عنده 3 أو 4 عيال هايأكلهم ويشربهم منين؟ الناس خايفة تتجوز وخايفة تخلف، الناس خلاص قربت تكره الدنيا، الانتحار مابقاش بعيد، قلة الفلوس تعمل أى حاجة، البحر كان مصدر رزق الناس كلها عندنا، لما احنا نشتغل، شركة الغزل هاتشتغل، والمحلات هاتشتغل، والدنيا هاتمشى وناس كتير هاتلاقى فرص عمل، وتاكل عيش».